في حفل تنصيب

TT

كان عليَّ ان أصغي ولا خيار ولا مفر. مكان محصن بجدران اربعة وبما هو أكثر احكاما: آداب السلوك. وكنا ستة أو سبعة، من أعمار متفاوتة وخبرات متراوحة. ولم يكن معدل الذكاء سيئا على الاطلاق. ومع اقتراب السهرة من موعد النعاس، قرر ان الوقت قد حان للضربة القاضية. وتأملنا بسرعة خاطفة كما كان محمد علي كلاي يتأمل فريسته قبل توجيه اللكمة. ثم قال: «لم اخبركم عما جرى لي في البيت الابيض، ام انني اخبرتكم؟» وانتظر يريد جوابا. وتطلعنا في بعضنا بعضا نتساءل ان كان أحدنا قد سمع ماذا جرى له في البيت الابيض. ولم ينتظر الجواب. وقال في تواضع مفجع، مبك، مسيل للدموع: «لم أكن أتوقع ان يدعوني كلنتون الى حفل التنصيب. فمعرفتي به كانت معرفة عادية. أو أقل. وعندما تلقيت الدعوة ساورتني شكوك. هذا الرجل لا يريدني بل يريد صداقاتي. يريد الوصول الى القادة العرب بأسرع الطرق وبعيدا عن القنوات الرسمية. وإلا لماذا هذه الدعوة الى حفل التنصيب؟».

تطلعت في الحضور فوجدت أن النعاس طار من بين رموشهم. جميعا. وبدا وكأنهم يتطلعون في الباب ويتحفزون. أما صاحب المنزل الذي تمنعه آدابه من الخروج من الباب فقد تطلع من النافذة. ودبَّ بي الخوف دباً لا دبيبا. فكيف سنشرح، كشهود، أسباب الانتحار؟ وأكمل صاحبنا: «وجدت ان مقعدي في الصفوف الخلفية. وكدت أنسحب لكن منعني من ذلك السناتور السابق الذي يجلس الى جانبي، إذ قال لي، يجب ألا تعتب على الرئيس وألا تغضب. هذه مسألة يقررها البروتوكول من دون ان يدري هو بها. ثم انظر الى جانبك هناك. انه وزير البحرية في عهد نيكسون. وبالفعل تطلعت فرأيته يرفع يده بالتحية. وظننت انه يشير الى السناتور لكن السناتور لكزني قائلا: لماذا لا ترد التحية لروبرت؟ هل نسيت مباريات البريدج معاً، اللعنة على الشيطان. لا شيء يوقف ضعف الذاكرة ورفعت يدي محيياً روبرت بحرارة خوف ألا تغضب زوجتي إنْ عرفت بالأمر. فقد كانت رفيقة زوجته في جميع المباريات».

اتخذت المسألة بعداً جدياً. وفيما تطلع الباقون نحو الباب ضبطت نظري على النافذة. فالصديق المضيف كان كثير الطيبة وانما قليل الصبر وضعيف الاعصاب. وكان يشكو لي دائما عندما كنا شبابا انه يعاني من شيء يسمى «نداء الفراغ»، فما ان يقف على مرتفع حتى يفكر برمي نفسه. غالباً دون سبب. فكيف اذا تجمع له سبب مثل ضيف كلنتون وصديق وزير البحرية السابق. وتظاهرت بأنني أشعر بالبرد وقمت الى النافذة واغلقتها. وراح الآخرون يستعدون للاقلاع عن بقية السهرة وبقية الرواية. لكن صاحبنا كان مصرا: «كان البرد قاسيا، لكنني تجلدت، وقلت في نفسي لماذا لا استغل هذه العلاقة مع كلنتون من أجل القضية. وعندما عدت قلت لزوجتي يجب أن نعمل على خطين: انا مع كلنتون وأنت تتقربين من هيلاري».

لم يقاطع أي منا صديق كلنتون. جميعنا قاطعنا المضيف. بعض الأخطاء لا يسامح ولا ينسى.