النحاس : حتى لا يتآكل! والفضة : حتى يظل لامعاً!

TT

كل الناس ممثلون إلا بعض الممثلين. وكان الموسيقار محمد عبد الوهاب من كبار الممثلين لا على الشاشة وإنما في حياته الاجتماعية.. نسمع منه أجمل وأحسن كلام. وهو لا يعني كلمة واحدة مما يقول. فهو يعرف أين يذهب كلامه.. فإن كنت صحفياً فعيناه على ما سوف تنشره وإن كنت إذاعياً، فأذنه على ما سوف تقول. فهو أحسن مدير علاقات لمحمد عبد الوهاب..

وأنا كنت أصف محمد عبد الوهاب بأنه مثل العملة المعدنية.. من فضة ومن نحاس. النحاس حتى لا تتآكل والفضة حتى تكون أكثر لمعاناً.. وكنت أقول ان عبد الوهاب التاجر هو الذي أبقى عبد الوهاب الفنان.. وان عبد الوهاب كالذئاب ينام بعين واحدة. وانه كالحصان ينام واقفاً!

والأمثلة كثيرة عند الذين يعرفونه ويحبونه ويكرهونه. اختار مثلا واحدا. عندما توفيت فايزة أحمد. كان عبد الوهاب في باريس. اتصلت به، وسألتني زوجته نهلة القدسي عن أخبار مصر وأخباري.. وقلت لها: فايزة أحمد ماتت..

أي أنني أريد أن أنقل إليه الخبر. وأن أعرف رأيه في هذه الخسارة الفادحة. وعبد الوهاب يعلم علم اليقين أن الذي سيقوله سوف أنشره غداً.. وبسرعة قال لي عبد الوهاب: أهلا يا أنيس. أنا في انتظارك وعندي أدوية جديدة للزكام.. وفي الجناح المجاور لنا يوجد الأمير بدر بن عبد العزيز. متى ستجيء؟

ولكنني بادرته بأن فايزة أحمد ماتت. قال: البقية في حياتك فأنت عاشقها الأول بعد عشقك لأم كلثوم..

ثم بسرعة المحترفين الممثلين اتخذ عبد الوهاب صوت المذيع فقال: إن فايزة أحمد لم تكن مطربة ذات صوت وحشي وإنما هي أوركسترا وحدها.. إنها أوبرا متعددة الأدوات والأصوات والنغمات وخسارتها فادحة..

وسكت عبد الوهاب .. ثم تغير صوته تماماً وقال: هه .. وأنت جاي إمتى..

وكنت قد سجلت الحوار بيننا. وفي هذه اللحظة جاءتني الإذاعية الشهيرة نادية صالح رئيسة إذاعة الشرق الأوسط تسألني رأيي في وفاة فايزة أحمد. قلت لها: أنت محظوظة جداً. فسوف أعطيك سبقاً إذاعياً.. حواراً بيني وبين محمد عبد الوهاب عن وفاة فايزة أحمد..

وعرفت من السيدة نهلة القدسي أن عبد الوهاب عندما حدثني كان يعلم أن فايزة أحمد قد ماتت؟!