اللون راثياً

TT

كنا في إسبانيا عندما توفي اللاعب انطونيو بويرتا في ساحة الكرة. وهذه إسبانيا، بلاد «ريال مدريد»، ولا يحق لمصارع الثيران أن يموت في الحلبة ولا للاعب الكرة أن ينهار في الساحة التي يعدو فيها اللاعبون بلا انقطاع ويتدافعون ويتراكضون ويتعرقون ويتحايلون ويخادعون كأنهم في حرب من أجل راية الأمة.

وفجأة غرقت إسبانيا في لعبة اللون، كأنها تردد النشيد الوطني في صوت واحد. وكل ألوان إسبانيا فاقعة زاهية. الأرجواني لإثارة الثور الغبي. والأصفر والأزرق والزهر والوردي والأبيض، ألوان رايات الجزر وثياب لاعبي الكرة. وانطونيو بويرتا كان في الأبيض، لون الصيف، لحظة الإغماءة الأخيرة في ساحة الشهرة. لكن فجأة عم الحزن وعم اللون الأسود. وهو لون الحكام لا لون اللاعبين. يجب ألا يضع الحكم لوناً زاهياً مثل الفرق التي يحكم بينها، بل عليه أن يكون في الأسود، لون الوقار والحياد والنزاهة. لذلك يرتدي القضاة الثوب الأسود والمحامون في المحاكم العباءات السود والحكام في المسابقات. ثم في لحظات الموت القاصف الأغصان الشابة يصبح الأسود لون الحداد، والميت هنا بطل. ومن شروط البطولة في المأساة الإنسانية أن يموت البطل شاباً. الكهول لا يعودون أبطالا بل قدرا مكتوبا وعمرا منقضيا بالتراكم.

انطونيو بويرتا مات بطلا لا لاعبا. لذلك صدرت الصحيفة الرياضية «الآس» يوم وفاته وعنوانها الأول يقول «لاعب اشبيلي حتى الموت». في الماضي كانوا يرفعون راية اشبيلية على الأسوار والقلاع، وفي هذا العصر يرفعونها في الملاعب. واللاعبون لا الجنود يحصدون الجوائز للأمم الآن.

وعندما يقال البرازيل يخطر في البال فورا بيليه ورونالدو وليس سيمون بوليفار. وقد تطلب جزائري يدعى زين الدين زيدان من أجل أن يربح مجد فرنسا ثم أن يخسره في هطمة، من أجل شرف أمه. وفيما ارتبط اسم جنرالات الأرجنتين بالموت والقسوة والرعب والفاشية وخطف شبان بوينس ايرس، أطل مارادونا مربعا مثل لوح ثلجي وأعاد بلاده إلى ساحة الهتاف.

لا يشترك لبنان في كأس العالم، لكن كل أربع سنوات تمتلئ شرفاته بأعلام العالم اللاعب، من هولندا إلى الريو. وتتقاتل الشرفات المتقابلة بالألوان. وكان يمكن أن يصل الفريق الأفغاني ولو إلى مراحل التصفية. ولكن الملا عمر اشترط على اللاعبين ارتداء السراويل الطويلة، خوف خدش الحياء.

ويبدو أن السراويل الطويلة، مهما زهت ألوانها، تعيق حركة الركب والأقدام. وسراويل الكرة القصيرة ممنوعة في كابل. مسموح فقط الأفيون. قوافل قوافل.