العراق: ثلاثة مشاهد مؤثرة

TT

رأيت الكثير من المتناقضات في هذه الزيارة الى العراق، بحيث انه من الصعب الحديث عن اتجاه محدد. ولهذا دعوني أشارككم ثلاثة مشاهد كانت ذات تأثير عليّ:

المشهد الأول: ذهبت في جولة لزيارة فصيل من الجيش الأميركي في حي العامرية ببغداد، الى جانب «فرسان العامرية» الذين هم ليسوا «فريقا للركبي» حسب تعبير الجنرال ديفيد بترايوس.

العامرية حي سني كان موطناً للأطباء والمحامين والمختصين الآخرين. أما اليوم فانه مدينة أشباح. انه لمن المروع الى أي حد تشظت هذه المدينة الى قطع صغيرة. وما كان بيوتا للطبقة الوسطى أصبح مهجورا كله تقريبا، والشوارع مليئة بالنفايات والركام. وقد تعرض الحي اول مرة الى الهجوم من قبل المليشيات الشيعية، ثم من السنة العراقيين الموالين لـ «القاعدة»، ممن دخلوا بذريعة حماية السنة من الشيعة ثم فرضوا حكم الارهاب الاسلامي عليهم.

و«فرسان العامرية» هم أشخاص سنة علمانيون في الغالب من الحي ممن تجمعوا معاً لطرد القوات المؤيدة لـ«القاعدة» التي مدت جذورها هنا إلى نحو أكثر عمقا مما كنت أتصور، ولحماية بيوتهم من فرق الموت الشيعية. وقرروا العمل مع الأميركيين لأن تهديدنا لهم، في الوقت الحالي، اقل من تهديد السنة العراقيين الموالين لـ«القاعدة» أو الشيعة. وبدا لي كثير منهم مثل جنودٍ في جيش البعث السابق. وكان معظمهم يرتدون «الجينز»، وكل واحد منهم يحمل نوعاً مختلفاً من السلاح.

وعندما سألت واحداً منهم، وهو عمر ناصف، 32 عاما، عن سبب تحوله من اطلاق النار على الأميركيين الى العمل معهم، قال «رأيت أحد عناصر «القاعدة» يقطع رأس طفلة تبلغ الثامنة من العمر بأمِّ عيني. نريد الدعم الأميركي لأننا نقاتل التنظيم الأكثر شراً في العالم هنا. أفضل العمل مع الأميركيين على العمل مع الجيش العراقي. الأميركيون ليسوا طائفيين».

وفي مرحلة معينة، قمنا بجولة على الأقدام في الحي، وسرنا عبر التراب وتحت درجة حرارة بلغت 126 درجة. وعندما حدقت رأيت مشهدا سورياليا، حيث متمردون بعثيون سابقون وبنادق في كل الاتجاهات تشكل نطاقا حول ضابط أميركي كبير. تلك هي الأنباء السارة وغير السارة من العراق. والأنباء السارة هي أن زيادة القوات تقلص العنف. والأنباء غير السارة هي ان الهدوء النسبي ينبثق الى حد كبير من حرب سنية ـ سنية دفعت السنة العراقيين السائدين الى معسكرنا لمقاتلة السنة الجهاديين، بدلا من أي تقارب سني ـ شيعي حقيقي.

يجب بناء السلام في العراق على أساس إجماع شيعي ـ سني لا على فرض التوازن من قبلنا دائما. ولحد الآن ساعدت الزيادة في عدد القوات الأميركية على احتواء النزاع. لكن انسحابنا سيفجره مرة أخرى خلال عشر دقائق. فالتقدم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تقدم يحققه الشيعة والسنة لوحدهم من خلال بناء جسور فيما بينهم.

حتى الآن كل الذي سمعته من الطرفين هو العبارات التالية: «أنا ضعيف فكيف أستطيع أن أساوم؟» أو «أنا قوي فلماذا أساوم؟». ليس هناك وسيط راض وليس هناك استقرار في العراق.

المشهد الثاني: قال لي أحد الزعماء السياسيين في الخليج: «كل واحد يجعلك مشغولا في العراق. الروس يبقونك مشغولا والصينيون والإيرانيون والسعوديون والمصريون والسوريون يبقونك مشغولا».

إنه محق. كل شيء يجعلنا مشدودين إلى العراق. يكفي أن يرى المرء كيف يرمي فلاديمير بوتين بثقله حول أوروبا وكيف يصبح الصينيون أكثر فأكثر مؤثرين، وكيف أصبح الإيرانيون أكثر تشددا وكيف شعر الديكتاتوريون العرب بالراحة، وهم يشاهدون أميركا متورطة في العراق، وهذا ما يجعلنا عاجزين عن دفع الديمقراطية إلى بلدانهم ولإفهامنا أن هناك ثمناً باهظاً يجب علينا دفعه من دون تحقيق النجاح أو حتى من دون وجود استراتيجية خروج بالنسبة لنا.

المشهد الثالث: كنت أزور مستشفى ميدانياً أميركياً في بلدة بلد وسط العراق. أشاهد الجنون بعينه: رأيت جنودا أميركيين مصابين بجروح جراء طلقات نارية، ومتمردين مصابين بطلقات نارية في بطونهم، وطفلة عمرها شهران مصابة بجراح ناجمة عن شظايا انفجار، انتشرت فوق وجهها. قال الجنرال بيرت «ليس هناك طفل عمره شهران على الكوكب يعرف أن يكره أي شخص. كل شخص هو موضوع للتعليم».

سأل الأدميرال ويليام فالون موظفي المستشفى عن كيف يستطيعون التنسيق بين كل هذه الإصابات المختلفة. قالت ممرضة أميركية: «نحن جميعاً في الفريق نفسه»، وحينما التفتُّ حولي وجدت وجوهاً أميركية ـ أفريقية، أميركية ـ هيسبانية وأميركية ـ آسيوية، كل الخلطة التي تشكل أميركا تعمل معاً. كان نصفهم نساء بمن فيهم أمهات تركن عوائلهن للعمل هنا.

نحن لا نستحق أناسا رائعين كهؤلاء ـ ولا العراقيين إن هم استمروا في كره بعضهم بعضا أكثر من حبهم لأطفالهم.

*خدمة «نيويورك تايمز»