وصمة سوداء

TT

لا تزال آثار انهيار سوق المال بالولايات المتحدة الامريكية مستمرة، ولم تكتمل حتى هذه اللحظة أبعاد المشكلة بشكل واضح. فالمشكلة، حتى هذه اللحظة، هي نتاج معدلات الفائدة الثانوية للاقراض المتعلقة بالرهن العقاري، والذي برزت فيه عدم قدرة السداد والوفاء والالتزام للآلاف من العملاء، مما أدى الى امتصاص مهول للسيولة وبالتالي اهتزاز المكانة المالية للقطاع المصرفي الضخم.

وهناك قناعات كبيرة جدا لمجموعة غير قليلة من خبراء المال والاقتصاد والذين لديهم قناعات كبيرة بأن الموضوع لم ينته بعد، وأن هناك سلبيات وانهيارات قادمة نظرا لضخامة المشكلة وعمقها.

والذي زاد من أهمية المشكلة هو رعونة التعامل والإدارة من قبل الرئيس جورج بوش وفريقه الاقتصادي. فالتحرك البطيء والتصريحات الهشة فشلت في منح السوق والمتعاملين فيه الثقة المطلوبة والمنتظرة، ولم تقدم الحلول الجذرية والحاسمة التي كانت تنتظرها المؤسسات المالية بشغف.

وهذه المشكلة تِأتي كفصل جديد ومهم في مسلسل الإخفاقات المتلاحقة لإدارة الرئيس الامريكي جورج بوش في أشهرها المتبقية من فترة الحكم الرسمية. فمع فضائح الإخفاق المهول بالعراق، ومسلسل الهروب والاستقالات لعدد غير قليل من أعمدة وأقطاب الفريق التنفيذي بالبيت الابيض، تأتي «ضربة موجعة» من القطاع الاقتصادي وهو النطاق الذي كان يلوح به في مجالات العلاقات العامة على أنه إنجاز إيجابي للإدارة ومصدر فخر واعتزاز.

هناك إحساس كبير بأن الفترة الاخيرة في حكم الرئيس الامريكي والتي يطلق عليها عادة مسمى «البطة العرجاء» نظرا لعدم مقدرته على القيام بتحقيق القرارات الكبيرة والإنجازات المهمة، هي بالفعل اسم على مسمى وذلك لأن بوش تحول فعليا الى قبطان سفينة ضخمة اصطدمت بمجموعة من الجبال وهي الآن تغرق من دون أمل في انقاذها. ولتأكيد هذه المقولة يصدر كتاب جديد بعنوان «مؤكد كالموت» بقلم روبرت دريبر، يكشف فيه حجم الخلافات المذهل بين أعضاء الادارة الامريكية بمختلف قطاعاتها منذ الايام الاولى للفترة الرئاسية الأولى. لم ير التاريخ السياسي الامريكي إدارة بهذا الحجم من التناقض وفيها هذا الحجم من التعتيم والتمويه الفعال على الحقائق وبالتالي عن أعين الشعب الامريكي.

واليوم يجري الحديث عن التقرير المنتظر من قبل القائد العسكري للجيش الامريكي بالعراق والسفير الامريكي هناك عن مدى فعالية خطة رفع عدد القوات، والذي تم اعتماده أخيرا، ولكن العجيب أن هناك قناعة «يسوَّق» لها على أنها الحل الأمثل، وهي تقسيم العراق واعتبار ذلك حلا لمشاكل «النزاعات الطائفية والعرقية والإرهاب» والتي لا يمكن القضاء عليها «بالطرق التقليدية» وهذا الحل يجري الترويج له من قبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء. فهناك السيناتور جوزيف بايدن، وهو المرشح الرئاسي عن الديمقراطيين، وكذلك السيناتور براون باك المرشح الرئاسي عن الجمهوريين، كلاهما يناديان بتقسيم العراق لثلاث مناطق «كحل نهائي».

رئيس، بمعلومات غير مكتملة، وخبرة عالمية ضئيلة، محاط بمجموعة لها أجندة محددة وظلامية كان لا بد أن تنتج عنها أسوأ حقبة تنفيذية في تاريخ أمريكا.. وهذا ما كان.