الترياق الآتي من العراق

TT

هل يمكن طي صفحة أزمة لبنان قبل أن تخرج الولايات المتحدة من أزمتها في العراق بموقف إقليمي شرق أوسطي واضح بدأت ملامحه تظهر ميدانيا؟

ربما يبدو الربط بين الأزمتين اللبنانية والعراقية مبالغا به في هذا المنعطف من اتجاه الأحداث في لبنان نحو الحلحلة. ولكن أليست الحلحلة المنتظرة في أزمة لبنان حصيلة جانبية لما يحدث في العراق؟

واضح أن الاستراتيجية الأميركية في العراق تمر اليوم في عملية «إعادة تقويم» قد تصل بها الى حد عكس مسارها السابق، فبعد أربع سنوات من احتلال عسكري يندرج بامتياز في خانة «التجربة والخطأ»، وجدت واشنطن نفسها أسيرة رهانها الفاشل على الالتزام الشيعي بمخططات الاحتلال.

ومع التسليم بأن حسابات واشنطن في العراق حسابات أميركية بالدرجة الأولى، فإن اكتشافها، متأخرة أربع سنوات، أن سياسة دعم الشيعة للتخلص من سيطرة السنة (تحت عباءة حزب البعث ) على الدولة والجيش، صبت في مصلحة خصمها الإقليمي الأول، إيران، حملها على إعادة تقويم هذه السياسة من منطلق «إنصاف» السنة، وبالتالي محاولة إعادة شكل من أشكال «التوازن» الى موقعها في العراق، فبدأت في الآونة الأخيرة بتسليح السنة ـ ممثلين بلجان الدفاع الشعبية ـ للوقوف في وجه الميليشيات الشيعية المتأثرة بالنفوذ الايراني.

تجربة أخرى قد تكون، هي أيضا، متأخرة عن وقتها. ولكن خروج الولايات المتحدة من الورطة التي زجت نفسها بها في العراق قد يستتبع إخراج «الحالة اللبنانية» أيضا من ورطة أخرى ساهم تخبط الولايات المتحدة في حسم خياراتها العراقية في نشأتها، وفي تفاقمها على مدى الشهور التسعة الماضية.

ولكن الصراع الأميركي – الإيراني في الشرق الأوسط يتجاوز إطار التصدي لنفوذ طهران في العراق، وحتى لمشروعها النووي، الى طموح إيران التاريخي للتحول الى القوة الإقليمية الاولى في المنطقة.

هذا البعد الاقليمي للصراع الأميركي ـ الايراني يجعل سياسة «تصحيح» التوازن السني ـ الشيعي في العراق جزءا من استراتيجية أميركية أشمل تتوخى دعم قيام محور عربي سني في الشرق الأوسط يتصدى لما سمي «بالهلال الشيعي» في المنطقة.

باختصار، وفي السنة الأخيرة من ولاية جورج بوش، عاد شعار المرحلة في واشنطن الى معطياته في ما قبل 9 سبتمبر (أيلول) 2001: تعزيز المحور السني في الشرق الأوسط ـ هذه المرة كحاجز إقليمي للمد الشيعي ـ الإيراني، لا الشيوعي ـ السوفياتي.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: أين موقع لبنان على «خارطة الطريق» الأميركية الجديدة للشرق الأوسط؟

مبادرة المعارضة (الشيعية) الداعية الى التفاوض على رئيس «توافقي» للجمهورية لقاء تخليها عن مطلب تشكيل حكومة «وحدة وطنية» ـ كانت تصر على قيامها ولو قبل «ربع ساعة من انتخاب الرئيس ـ قد تكون محاولة ذكية لتنفيس الاحتقان السياسي الداخلي. ولكنها لا تنفصل، في نهاية المطاف، عن المستجدات الإقليمية والدولية في المنطقة.

أول هذه المستجدات ما يوحيه موقف إيران «الهادئ» من الاستحقاق الرئاسي في لبنان من أنها لم تعد مستعجلة على بسط هيمنتها على هذا البلد، فيما أولويتها الإقليمية الأهم، والأصعب، لا تزال العراق ـ ربما مخافة تأليب العالم العربي السني عليها، من جهة، والتفريط بمكاسب حزب الله المعنوية من حرب الصيف الماضي، من جهة ثانية.

ولأن الولايات المتحدة تعتبر لبنان جزءا ـ وإن متميزا ـ من المحور السني في الشرق الأوسط، ولأن الإدارة الأميركية تتطلع الى تسجيل مكسب معنوي ما عبر تثبيت استقرار ما يسميه الرئيس الأميركي بـ«الديمقراطية الفتية» في لبنان، تأخذ معركة الرئاسة اللبنانية منحى يتعدى، الى مدى بعيد، أهميتها الحقيقية كرأس هرم البنية السياسية الرسمية في بلد صغير مثل لبنان مهدد، بالمفهوم الأميركي، لأن يتحول الى الطرف الغربي للهلال الشيعي.

من هنا أهمية الترياق الآتي من العراق.