العراق: الحل تجزئة الأمن.. لا مركزته

TT

لا شك ان الامن هو مفتاح كل شيء في العراق، لذلك لا غرابة ان تكون العيون شاخصة للخطط الامنية والأيام الثقال تعد لجني ثمارها، فعلقت الآمال على خطة فرض القانون في بغداد وعلى مجالس الصحوات والإنقاذ وعلى عهود ومواثيق العشائر، الا انه في اجواء الترقب والتمني بقرب فرج خرج علينا مستشار الامن القومي العراقي بخطة للامن شرع بها من منتصف الاسبوع الماضي حتى 2010 ، نعم انها خطة امن، لا تخطئوا وتظنوا انها خطة خمسية للتنمية، ولا هي لمشاريع اعمارعملاقة تستدعي هذا الزمن، او لتحقيق اهداف وضعت للارتفاع بالدخل القومي او للقفز بمستويات المعيشة، او هي للارتقاء بالخدمات لمصاف الدول المتقدمة او بتعليم يدخل العراق به منافساً في سلم الجامعات الافضل في العالم، او بسياسة صحية يغادر فيها العراق كثيرا من الامراض ليصبح معدل الاطباء والأسرة وكادر التمريض يقارب ما يجب ان تمتلكه دولة الاحتياطي النفطي الثاني في العالم، او لمشاريع ثقافية تعود بها بغداد لزهوها كحاضرة للعالم.

نعم انها خطة امنية «استراتيجية» تستمر لثلاث سنوات ونصف السنة! فهل نطلب من الذي هجر من بيته وجلس يلتحف العراء مع اطفاله ان ينتظر حتى ذلك الوقت، او نسأل اولئك العراقيين الذين نضبت مدخراتهم في المنافي ويعدون الايام للعودة لبلدهم بان نعللهم بخطة خمسية، فهل بات الامر مستعصياً لهذا الحد.

الجائل في شوارع بغداد اليوم يشعر بأنه في عاصمة دولة افريقية صبيحة انقلاب، حيث هي مملوءة بالجنود والدبابات والحواجز فهل مع كل ذلك نحتاج لثلاث سنوات قادمة؟ ثم بعد هذا أنمنع الناس ان يذهبوا الى المقارنة المؤلمة بان صدام في عام 1991 وبعد انكفائه من الكويت وبجيش مهزوم ومنكسر استطاع ان يستعيد الامن في غضون اسبوعين في 14 محافظة سقطت من محافظات العراق الثمانية عشرة، عندما يبشر الناس بان عليهم الانتظار ثلاث سنوات ونصف السنة بعد ان قضوا اربع سنوات ونصف السنة فتكون عندهم حتى ولا سبع سنين بل ثمان عجاف.

نعم الامن يستحيل ويستعصي ويصبح بعيد المنال عندما تركن القوى السياسية الفاعلة وصاحبة الامر الى مخاوفها وتقدم على الاستقرار مصالحها وتعيش في ضيق افق رؤاها، عندما تكون اسيرة الشكوك وعدم الثقة المتبادلة، عندما تحسب اي فعل بمقدار خسارتها وربحها وليس بما يربحه الوطن.

قبل ايام من اغتيال رئيس مجلس الحكم عز الدين سليم في حادث التفجير الشهير الذي استهدفه في ايار عام 2004 التقيته وكان من بين ما دار بيننا اخذي عليهم في مجلس الحكم بأنهم اخطأوا برفضهم قبول استدعاء القوات التركية، وإنهم لولا اعتراضهم لكانت الاوضاع هي غيرها، اذ ان هذه القوات لن تكون في مناطق الاكراد الممانعين الرئيسيين لاستقدامها لكون مناطقهم آمنة ولمراعاة مخاوفهم وتحسسهم، بل هي كانت ستنشر في المناطق العربية السنية المضطربة، وباستبدالها للقوات الامريكية هناك تكون مقبولة من الاهالي ونسحب ذريعة الداعين للجهاد بمقاتلة قوات الكفر كونها قوات مسلمة وأيضا تركيا دولة عالم ثالثية وأساليبها في فرض الاستقرار هي اكثر انسجاماً مع طباعنا وعقليتنا، فضلاً عن امتلاكها خزينا من الخبرات بمقاتلة الجماعات المسلحة التي كانت مستشرية في المناطق التركية، ثم وللتعويض عما اعتبرته الحكومة التركية خطأها الاستراتيجي بعدم السماح للقوات الامريكية في الدخول من اراضيها لذلك ستكون اكثر اندفاعاً بمهمتها، وان قربها الجغرافي سيجعلها اكثر مرونة لوجستية وقادرة دوما على زيادة وجودها لتحقيق الاستقرار، بجانب اننا بذلك سنستبدل الوجود الامريكي المستفز بوجود وحل اقليمي اكثر مقبولية وان من شأن ذلك ان يفتح الباب لدخول قوات حفظ امن اسلامية تنفي الحاجة تدريجياً للقوات الامريكية في مناطق التماس السكاني، فبرر المرحوم عز الدين سليم موقفهم بأننا كنا نظن بان الولايات المتحدة لن تلتفت لاعتراضاتنا وأيضا اتخذناه مراعاة لمخاوف واعتراضات الكرد.

اذكر ايضا بعد تشكيل الحكومة الحالية في نيسان العام الماضي وفي ظل ازمة المشتقات النفطية ومرافقة ذلك استمرار التخريب الدائم للخط الناقل لنفط كركوك مع عدم قدرة تأمين ايصال المشتقات النفطية من المصافي بسبب الارهاب وتوقف محطة توليد الطاقة، بسبب ذلك سألت وزير النفط انه ما دامت الحكومة المركزية وبتواضع امكانياتها غير قادرة على تأمين ذلك لماذا لا نطلب ارسال قوات كردية لتأمين الطرق والخطوط الناقلة خصوصاً مع الاستعداد الذي ابداه السيد مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان لتأمين طرق نقل المشتقات الى اقليمه بان نطلب منه ايضاً تأمين خط تصدير النفط وبالضرورة ستؤمن طرق وخطوط نقل الطاقة الكهربائية فكان الجواب هذا موقف سياسي ويحتاج من الاطراف حسابات دقيقة وهناك صعوبة في توافر اجماع ورضى على ذلك.

استعدت ذلك قبل اسابيع قليلة عندما جاءت الاعتراضات هذه المرة من الحكومة لتصعيدها لحملتها ورفضها للتوجه الامريكي لتسليح العشائر السنية لمقاتلة القاعدة خوفاً من ان يشكل ذلك اضافة ميليشيات اخرى لما هو موجود وتخوفاً من ان يخرجوا عن سيطرة الدولة ويستخدموا هذا السلاح ضدها، في حين ان هذا التسليح الذي ايضاً اسهمت به الحكومة هو فقط الذي جعل محافظة الانبار اكثر المحافظات عنفاً والملتهمة بعدم استقرارها للجزء الغربي من بغداد منقلبة على القاعدة وباتت العلامة المضيئة في دفاع الرئيس الامريكي عن نجاح استراتيجيته وفي رمزية زيارته لها.

لذلك فالحل للامن ليس باستراتيجية لسنين اخرى طوال لا يملك ترفها العراقي المخاتل للموت يومياً بل بحلول مرحلية ممكن تبنيها ومنها تجزئة الامن لا مركزته، بالسماح للقوات الكردية بان تحمي المناطق المجاورة لإقليم كردستان وتأمين الطرق ونقل النفط وخطوط الكهرباء فتكون مسؤوليتها شرق وشمال بغداد وان يسمح لأبناء العشائر السنية بحماية غرب بغداد فيكون ذلك مؤقتا لحين استكمال الحكومة لبناء قواتها على اسس من القدرة والوطنية والمهنية، فهل سيقبل ذلك، يقيناً لا لكوننا اسرى حسابات النفوذ.