قبل النهاية بساعات كتبوا!

TT

بعد موتنا ما قيمة أن يقال أي كلام مدحاً أو قدحاً.. إن الأمر لا يهم. فنحن لم نعد هنا نرى ونسمع ونقول. وقديماً قيل: لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها، أي بعد موتها!.. لا يضيرها أن تسلخها أو أن تضع أكاليل الغار حول عنقها!

ولكن يبدو أن هذا ليس صحيحاً، فكثير من العظماء مشغولون بما سوف يحدث لهم.. وكثير منهم يجهدون رؤوسهم ليكتبوا أو يرسموا حتى آخر نفس..

الشاعر الإيطالي دانتي مات بعد ساعات من إكمال ملحمته الخالدة «الكوميديا الإلهية» والشاعر الإيطالي بتراركه مات ووجهه على ورقة فيها آخر قصائده..

أستاذنا العقاد مات وبالقرب منه مشروع تفسير جديد لسورة (النور)..

وتوفيق الحكيم أعطاني نسخة من مسرحية بالفرنسية اسمها «فاوست» وهي تكملة للمسرحية العظيمة للشاعر الألماني جوته. وفي مقدمة هذه المسرحية: أن الذي ألفها حفيد مصري غير شرعي للشاعر الألماني. وكان في نيتي أن أترجمها لولا أنني وجدتها إلحاداً صارخاً. وكتب باحث فرنسي يقول إن هذه المسرحية من تأليف توفيق الحكيم.. ولما أعطاني الحكيم هذه المسرحية قال لي: نسخة لك ونسخة لزوج ابنتي والنسخة الثالثة بعثت بها لصديق في فرنسا..

ود. عبد الرحمن بدوي أول فيلسوف مصري وقع في الشارع في باريس ونقلوه إلى المستشفى فاقد الذاكرة ولم يعرفوا من هو حتى اهتديت إليه ونقلناه إلى القاهرة ومات، وكانت مصر قد رشحته لجائزة نوبل في الآداب.. ووجدنا تحت رأسه في باريس بقايا قاموس يوناني لاتيني ألماني فرنسي وعلى الهامش هذه العبارة: اتصلوا بأنيس منصور ففي استطاعته أن يكمله!

والشاعر الرقيق كامل الشناوي الذي له شعر جميل ونثر أجمل، كان مقلا في الشعر بقدر إسرافه في الطعام والتدخين.. ووجدنا تحت رأسه ورقة بيضاء عنوانها: لا شيء.. وفي نهاية الصفحة إمضاؤه. لقد أراد أن يقول لا شيء. فقال إنه لم يسكت ولم يستسلم فقد حاول أن يسخر من كل شيء.. ففعل!