البحث عن السبب

TT

يبحث الالمان المذهولون من مؤامرة التفجيرات الكبيرة التي تم احباطها قبل وقوعها عن السبب الذي ادى بشابين المانيين عاديين من الطبقة المتوسطة، اعتنقا الاسلام الى اللجوء للافكار المتشددة والاشتراك في مؤامرة من هذا النوع مع مشتبه تركي ثالث معتقل معهما لإحداث قدر من الدمار والتخريب.

فحسب تقارير الصحف والاعلام الالماني، فان الالمان يجدون صعوبة في فهم كيف يمكن لشابين نشآ على المفاهيم والقيم الالمانية، وفي مجتمع مفتوح يمنح مقيميه اوضاعا جيدة لا تقارن بالمتشددين في دول شرق اوسطية او آسيوية فقيرة ان يقتنعا بمثل هذه الافكار، وحتى وزير الداخلية الالماني كانت له تصريحات في هذا السياق، قال فيها ان الناس هنا تعتقد ان قيم المجتمع وحرياته تمنع الالمان من تبني هذه الافكار

ولكن الواضح ان البعض يستهويهم ذلك.

ورغم النسبة المحدودة لمثل هاتين الحالتين في دول غربية، إلا ان هناك نماذج مشابهة تكررت في الاعوام الاخيرة في بريطانيا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة لشبان ليست لهم علاقة بقضايا الاسلام او العالم الثالث، استهوتهم بشكل او اخر افكار «القاعدة» او التطرف والتفجيرات والارهاب الى آخره.

وبالمنظور الالماني او الغربي، فان مصدر الدهشة هو الشعور بان هذه المجتمعات بحكم موقعها في التصنيف الدولي كعالم اول والتجربة الديمقراطية الطويلة، اضافة الى مستويات المعيشة المرتفعة فان مواطنيها محصنون ضد هذه الافكار. وهذا الى حد كبير حقيقي لكنه لا يمنع ان تجد اقلية لسببب او اخر هواها في التطرف بصرف النظر عن الخلفيات او الثقافة والمستوى الاجتماعي.

وهذا ينطبق على الجميع شرقا وغربا، فالمتطرفون في كل الحالات اقلية مهما كانت الخلفيات الثقافية او المستويات الاجتماعية لان الطبيعة الانسانية في التيار العام لها تنجذب نحو البناء وليس الهدم. واذا اخذنا الاصول الاجتماعية في مجتمعات عربية او اسلامية لمشاهير الارهابيين الجدد الذين ينتمون في معظمهم الى افكار تلتقي بشكل او اخر مع التيار الآيديولوجي لـ«القاعدة» سنجد ان غالبيتهم جاءوا من اصول اجتماعية لطبقات متوسطة او ثرية، وهذا ينطبق مثلا على خالد شيخ المتهم بانه العقل المدبر لهجمات سبتمبر او محمد عطا زعيم المنفذين او حتى بن لادن نفسه القادم من عالم المليونيرات.

ولو عدنا بالزمن الى الوراء قبل ظهور افكار التطرف الملتحف بالاسلام زوراً سنجد ان الكثيرين ممن تبنوا افكارا متطرفة اقترنت باعمال عنف ارهابية بدعاوى سياسية سواء كانوا من اليسار او اليمين، كان بينهم الكثيرون ممن ليست لهم علاقة بالفقر او الاحباط الى اخره، وعلى العكس فان بينهم من تلقى ثقافة رفيعة.

اذا اين يكمن السبب في هذه الظاهرة؟ قد يكون التفسير في ميل بعض الشخصيات في مراحل عمرية معينة الى المغامرات الشديدة حتى لو كانت مدمرة؟ او الرغبة في الشعور بالتفوق على الآخرين، ولو بالارهاب، وهي عموما مسألة تحتاج الى دراسات اعمق في نفسيات هؤلاء.

هذا كله لا ينفي ان هناك مناخا مؤاتيا لتفريخ الارهاب، وان هناك من يلجأ اليه تحت ضغوط اليأس والاحباط، فالمتورطون في مؤامرة ألمانيا، لو ثبتت عليهم الاتهامات، ما كانوا ليمضوا في هذا الشوط البعيد لولا انهم وجدوا مكانا لتدريبهم وشحنهم فكريا، ولو وجدوا من يقارعهم الحجة بفكر اسلامي مستنير فربما كانوا قد غيروا الطريق.