آخر الدواء الكي

TT

في هذه الأيام التي تتعالى فيها الصيحة في العراق ولبنان في الحاجة الى دكتاتور يضرب بيد من حديد ويوحد البلاد ويحقق للناس الأمن والسلام والثقة، وبالتالي الرفاه والتقدم، يقيم المتحف البريطاني معرضا لمجموعة من التماثيل الفخارية بالحجم الطبيعي لجنود صينيين بكامل اسلحتهم ودروعهم وعرباتهم ومعداتهم الحربية. هذه المعروضات جزء صغير من مجموع 8099 تمثالا فخاريا للجنود عثر عليها تحت الارض في الحقبة الأخيرة. ولها كما نتوقع قصتها.

كانت الصين في القرن الثالث قبل الميلاد مقسمة الى سبع دويلات تحارب بعضها البعض بضراوة فيما سماه الصينيون بعصر التقاتل. في هذه الفوضى الدامية ظهر صن شي هوانداي في ولاية صن وأبدى من الفطنة والذكاء والمقدرة والقوة ما مكنه من تعبئة جيش قوي اخضع كافة الولايات المتحاربة ووحدها باسم ولايته صن، الاسم الذي اطلقه على جميع الدولة الجديدة الموحدة، الصين. وكما نتوقع في مثل هذه العملية، استعمل سياسة بطش وإرهاب فظيعة. ومنها، انه امر بقتل عشرة آلاف اسير استسلموا له طواعية.

ما أن استتب الأمن في الدولة الموحدة حتى انهمك بتنفيذ برنامج طموح فبنى سور الصين العظيم الشهير لدرء الأخطار عن دولته وربط المدن بطرق معبدة حديثة وأصدر عملة جديدة وفرض لغة مكتوبة لعموم الصين. وشرع قوانين مدنية وجزائية واقام المحاكم المسؤولة عن تطبيقها. ولضبط التجارة والأعمال وضع نظاما شاملا للأوزان والمقاييس. بقي معظم اصلاحاته مطبقا في الصين حتى ايامنا هذه.

لاحظ اثناء حملته العسكرية لتوحيد الصين ان معظم ما كان يجري في البلاد من منازعات وحروب يعود للمعابد والمدارس الدينية فأمر بحظر تدريس الدين (الكونفشيوسية) وقام بحملة لإبادة كل الفقهاء وعلماء الدين.

لم يكن صن شي قادرا على تنفيذ كل اصلاحاته الواسعة هذه لولا سياسة اليد الحديدية الضاربة التي استعملها في سفك دماء مئات الألوف من السكان. وكان هو على علم طبعا بما اقترفته يداه من سفك وتقتيل. فعندما اقتربت منيته خشي على نفسه من انتقام ضحاياه منه في العالم الآخر فأمر بصنع جيش من الفخار والخزف تجاوز العشرة آلاف جندي وأمر بتجهيزهم جميعا بالأسلحة والدروع ومعدات الحرب والقتال ودفنهم معه في مقبرة هائلة ليسهروا على حمايته من اعدائه في العالم الآخر! وبعد ان عثر على هذه التماثيل البديعة مؤخرا أعطى الصين ثروة إضافية فيما خلفه لشعبها.

لم يعرف الكثير عن نشأته ولكن المعروف انه ولد لقيطا سنة 259 ق.م من امرأة ساقطة وأب تاجر عاشرها في نزوة عابرة. لا ادري اذا ما كان في العراق الآن احد يفي بهذه المواصفات. ولكنني اتذكر ان من العهود التي خلد العراق فيها للأمن والسلام كان عندما تولى ولاية العراق زياد بن ابيه.