الصمت زور

TT

كتب ارنست همنغواي إلى جون دوس باسوس: «بحق السماء. كفَّ عن تصوير كل شيء بأنه صالح. استمر في إظهار الأشياء على حقيقتها، فإذا نجحت في ذلك فهو خير ما يمكن أن تفعل». ذات مرة قال فولتير عن الفرنسيين «إنهم خليط من الجهل والخرافة والمسخرة والمزاح». هل يعني ذلك انه لم يكن يحبهم، أو انه لم يكن فرنسيا؟

لكن فيليب سوليرز قال بعد قرنين: «ألا يمكن أن نطبق هذا القول على الإنسانية جمعاء. ألم يكن ذلك الوصف ينطبق على القرن الثامن عشر، تلك الحقبة الثقيلة المليئة بالحزن والأمية والديماغوجية والشعبوية، التي كانت تخبئ خلف التظاهر بالمشاعر، برودة عاطفية قاتلة؟». هل انتهت الشعبوية والديماغوجية في القرن الثامن عشر؟ ما هو عالمنا اليوم؟ ما هي القواعد التي تسيطر على حياتنا السياسية؟ فلنتأمل جيدا في صحف الصباح ونشرة الأخبار المسائية: كم نرى مفرغاً يحاول أن يقلد هتلر؟ كم صعلوكا يعتقد انه سوف يعيد لينين؟

يقول الكاتب الفرنسي جان دورمسون إنه لم يندم في حياته على صمته لكنه ندم كثيرا على ما قال أو كتب. واعتقد أن الندم الكبير هو الندم على الصمت. على تجاهل الحقائق أو على تجميلها كما كان يفعل دوس باسوس.

إننا محاطون بالشعبويين ودجالي المشاعر وذوي القلوب المغلقة أسوأ مما كان عليه القرن الثامن عشر، ويجب أن نقول شيئاً.

الصمت شهادة زور لا تغفر. جميع كوارث الإنسانية كانت نتيجة الصمت والمحاباة. الكثير من هتلر صنعه صمت بريطانيا وفرنسا ومفكرو ألمانيا. الكثير من ستالين صنعته المرآة الغربية. وإعلام السحرة لا يكف، في كل عصر، عن إخراج الأرانب من القبعات والحمام الأبيض من تحت الأكمام.

نحن محاطون بالشعبوية السياسية التي تؤدي في كل زمن إلى كارثة لا يعوضها شيء. هؤلاء لا يعلمون شيئاً سوى الخمول الفكري والهياج النفسي ووأد الإنتاج والانصراف عن العمل والتعود على النوم ونحن نصيح. والصمت زور والمسايرة جور في حق أولادنا.

والضمير الصامت لا يمكن أن يرتاح مهما كان حيا. الصمت في حالات المصير موت أو خيانة. وربما لم يفت الأوان بعد. يجب أن تدعى الناس إلى وقفة تأمل حقيقية في حالها وفي حال الأمة وفي أحوال الذين لا يكفون عن امتطاء ظهور الشعوب ويثرون من أموال الأيتام وقروش الأرامل. في الخمسينات قال عبقري السخرية، سعيد تقي الدين «عرفت في لبنان بغلا يدعى الرأي العام». وعجيب أمر هذا البغل يساق في كل عصر إلى أن يرفس نفسه وكل ما حوله. وحتى مصيره.