فرص دبلوماسية لإزالة التوتر الأميركي ـ الإيراني

TT

بوادر المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران لا تزال تلوح في أفق منطقة الشرق الأوسط. اختبار النيات تحجبه في بعض الأحيان أخبار الحرب من العراق التي أصبحت حدثا رئيسيا في المنطقة يحمل معه أخطار اندلاع حرب أوسع وأيضا فرصا جديدة لدبلوماسية خلاّقة.

انتشار التوتر الأميركي ـ الإيراني كان واضحا خلال صيف هذا العام عندما نجحت إسرائيل في كشف مؤشرات على تعبئة سورية لجيشها. إسرائيل وضعت قواتها على أهبة الاستعداد، كما اتصلت أيضا عبر وسطاء لتحذير سورية من أي حسابات خاطئة.

رد دمشق المثير للدهشة تلخص في أن سورية تخشى سلسلة من التصعيد تبدأ بهجوم أميركي على إيران. توقعت دمشق أن ترد إيران من خلال توجيه تعليمات لحزب الله اللبناني بشن هجوم صاروخي على إسرائيل. إسرائيل بدورها ستهاجم سورية، التي تقدم دعما سياسيا وعسكريا لحزب الله. وكان مسؤولون إسرائيليون قد توصلوا إلى التعبئة السورية للحرب كانت في واقع الأمر خطوة دفاعية.

علاقة إسرائيل غير المستقرة مع سورية تتضح من التقارير التي تحدثت يوم 6 سبتمبر(أيلول) عن قصف إسرائيل لأهداف شمال شرقي سورية، ربما بسبب تشكك إسرائيل في أن استيراد سورية مواد نووية من كوريا الشمالية.

لا يزال العراق النقطة الأكثر خطورة، إذ أن هناك قوات عسكرية تخوض معركة فرض نفوذ على ما تبقى من الدولة العراقية. القوات الأميركية تخوض هذه المعركة بصورة مباشرة، فيما تخوضها القوات الإيرانية بصورة سرية. بعد أن بدأت القوات الأميركية بإقامة علاقات حسنة مع سنّة العراق، باتت الأولوية الأميركية الآن تتركز حول منع النفوذ الإيراني من الوصول إلى شيعة العراق. المسؤولون الأميركيون قالوا من جانبهم إنهم حاولوا طمأنة العراقيين بأنهم لن يخوضوا حربا بالوكالة على الأراضي العراقية ضد طهران. إلا أن ذلك هو في الواقع ما ظل يحدث خلال الشهور الأخيرة.

هذه المواجهة الإيرانية ـ الأميركية المتزايدة، سلط عليها الضوء الجنرال بترايوس والسفير ريان كروكر في لقاء أجرته معهما «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي. قال بترايوس إن القوات الأميركية ألقت القبض على قيس الخزعلي، قائد «المجموعات الخاصة» التابعة لجيش المهدي، الذي يشرف على تدريبه «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني. وقال بترايوس في المقابلة إن الخزعلي عندما سئل ما إذا كانوا سيتمكنون من شن هذه الهجمات القاتلة من دون مساعدة من إيران، أجاب قائلا:

«بالتأكيد لا». وقال كروكر في المقابلة إنه حذر السفير الإيراني في بغداد من أن عناصر «فيلق القدس» لن يكونوا في مأمن في العراق.

ترى، ما هي الفرص الدبلوماسية التي من المحتمل أن تزيل هذه الحالة من التوتر؟

في ذهني أربع فرص، وكل واحدة تتطلب من إدارة بوش إجراء المزيد من العمل الدبلوماسي الجاد في الشرق الأوسط:

لبنان: ربما تسنح الفرصة أخيرا لإجراء تفاوض لإنهاء الجمود بين حزب الله وحكومة فؤاد السنيورة التي تساندها الولايات المتحدة. فرصة التسوية تتمثل في التوصل إلى اتفاق حول رئيس جديد يخلف إيميل لحود. ويتفق مسؤولون أميركيون مع غالبية اللبنانيين على أن الخيار الأفضل هو ان يأتي رئيس ليس من المحسوبين على سورية أو الولايات المتحدة. إلا ان ذلك يتطلب الكثير من المناورات (والمساعدة الاميركية) للتوصل الى المرشح المناسب والوصول الى اتفاق.

القضية الفلسطينية: تتوجه وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس عائدة الى منطقة الشرق الأوسط خلال هذا الأسبوع لدفع الفلسطينيين والإسرائيليين باتجاه التوصل إلى اتفاق حول الإطار الأساسي لدولة فلسطينية. الطرفان ليسا بعيدين تماما، لكنهما في حاجة إلى دفعة من كوندوليزا رايس، ربما في صورة مسودة اميركية تتضمن النقاط التي من الممكن التوصل إلى اتفاق بشأنها. باتخاذ هذه الخطوة ستثير كوندوليزا رايس غضب الجانب الإسرائيلي، لكنها إذا تمكنت من تقديم اتفاق مبدئي يجري التأكيد عليه في مؤتمر إقليمي في نوفمبر (تشرين الثاني)، فإنها ستنجح بذلك في تجريد إيران من أكثر أسلحة دعايتها فعالية.

سوريا: يرى بترايوس أن المساعدات الأمنية من سوريا خلال الأسابيع الأخيرة حدت من تدفق المقاتلين الأجانب إلى العراق بمعدل النصف تقريبا. ويرى عسكريون أميركيون كبار أن الظرف الحالي هو الوقت المناسب للاتصال بسورية، ويرى مسؤولون إسرائيليون كبار ذات الشيء. يجب أن تجري إدارة بوش محادثات مع دمشق بهدوء.

منطقة الخليج: يفضل كبار القادة العسكريين الأميركيين في الخليج التوصل إلى اتفاق مع إيران بغرض خفض خطر المواجهة. المشكلة الكبرى ليست الأسطول الإيراني النظامي وإنما القوات البحرية التابعة للحرس الثوري. وكانت فرصة قد سنحت الأسبوع الماضي عندما ظهر قائد البحرية في القيادة الوسطى، نائب الأدميرال كيفين كوزغريف، في لجنة مع شقيق قائد الحرس الثوري خلال اجتماع للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بجنيف، وهي فرصة كان من الممكن أن تتم متابعتها.

الولايات المتحدة وإيران تلعبان لعبة «الدجاجة» في منطقة الشرق الأوسط. التصادم سيكون مدمرا لكلا الطرفين، إذ ان كل طرف في حاجة إلى التحلي بالحذر بغرض تفادي أي حسابات خاطئة مع الحرص على العمل على نحو يؤدي إلى الانهيار.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»)