عن وديع فلسطين.. ومداخلة مع بريد القراء

TT

لبعض القراء آراء وتعليقات على عيني وعلى رأسي، وإن لم تصب في الهدف، وإن عارضتني في ما لم أقله، ولم أقصده، ولم يخطر لي على بال! وعندما أقرأ هذه الآراء والتعليقات أبتسم وأقول: من واجبي أن أفهم لماذا لم يفهموني، غير أني لم أجد عذرا للقارئين الفاضلين: أحمد عبد المعطي/ مصر، وإلياس سليمان سعد/ الولايات المتحدة، اللذين نشرت لهما «الشرق الأوسط» في بريد القراء، 11/9/2007، تعقيبهما حول مقالي: «الشاعر إبراهيم ناجي لم يتهته أو يثأثئ»، المنشور 6/9/2007.

يقول أحمد عبد المعطي في تعقيبه، إنني اعتمدت في نفي التلعثم عن الشاعر إبراهيم ناجي على ما نقلته من كتاب وديع فلسطين «الذي لم يحتو على أية تفاصيل حول ثأثأة أو تهتهة ناجي، التي بدت كأنها عيب خطير...الخ»، ولا أدري لماذا تجاهل السيد أحمد عبد المعطي جملتي: «راجعت أستاذي ....»، ولم ينتبه إلى أنني أعني بها: راجعت الأستاذ وديع فلسطين شخصيا، أي هاتفته شخصيا، وكلمته شخصيا، وحادثته شخصيا، وسألته شخصيا: يا أستاذي وديع هل إبراهيم ناجي كان يتهته ويثأثئ؟ لا أظن أنه كان من واجبي، لكي يفهم أحمد عبد المعطي ذلك، أن أضرب عرض الحائط بفن الكتابة وألت وأعجن وأقول: قلت له وقال لي، وبالمناسبة أنه، والهاء تعود إلى وديع فلسطين، قد ضحك وقال: لا لا لا لا إطلاقا بل على العكس تماما!

أما إشارتي لكتاب العلامة وديع فلسطين فكانت إضافة تصورتها مفيدة لأي قارئ يحب أن يستوثق من المعلومات التي أوردتها بشأن الظلم الذي حاق بالشاعر الكبير، ولم تكن هذه المعلومات «إسهابا بلا داع»، كما تفضل حضرته بقوله الذي لم يكن له داع.

ولا أدري لماذا لم يتأكد السيد إلياس سليمان سعد، قبل أن يذكر «بثقة» أنني كلفت نفسي «البحث والاستشهاد بأديب راحل...» وهو لا يعلم أن العلامة وديع فلسطين حي يرزق، متعه الله بالصحة والعافية وحفظه ضرورة هامة للثقافة ومرجعا أمينا دقيقا وموسوعة تمشي على قدمين.

أما أنني أحط من شأن حالة التلعثم، فهذا ما لم يخطر لي على بال، فالذي كان يعنيني بالدرجة الأولى هو تصحيح المعلومة الخطأ التي أوردها الأستاذ أنيس منصور، حتى وإن كانت فخرا يكلل هامة الشاعر إبراهيم ناجي.

وإنني لأود الآن، والله، أن أسهب في الكلام عن أستاذي وديع فلسطين الذي سيبلغ عامه الرابع والثمانين في أول أكتوبر القادم بإذن الله، ولكني سأوجز في القول ما أستطيع حتى أفرد له مقالا خاصا به مستقبلا إن شاء الله.

على ظهر غلاف كتابه «وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره» جاءت أسطره هذه: «ما ينعى على أبناء هذا الجيل افتقارهم إلى التواصل مع الأجيال السابقة، وهو ما أجتهد في تداركه في هذه الأحاديث، بحكم خضرمتي في الحياة الأدبية، وإن كنت بقيت على الدوام على هامشها». ولعل وديع فلسطين قد قصد بعبارته «على هامشها»، الجور الذي حاق به عام 1952 حين أغلقت جريدة «المقطم» التي كان يعمل بها وتم اعتقاله لأيام خرج بعدها لا يجد له بابا مفتوحا للنشر في مصر، وكان هو الشاب النابغة الذي لمع اسمه في دوائر الأدب والصحافة مثقفا وأديبا وناقدا ومترجما منذ تخرجه عام 1942 في قسم الصحافة بالجامعة الأمريكية، مما دفعه إلى النشر خارج مصر في الصحف العربية وصحف المهجر، حتى أن الكثير من مثقفي مصر كانوا يتعجبون حين يكتشفون أنه مصري من مدينة أخميم بصعيد مصر.

من أهم إنتاجات وديع فلسطين الأدبية حكاياته وذكرياته وطرائفه التي ترسم لنا ملامح عصر ثقافي وأدبي، لم نكن فيه، بشخوصه وحوادثه وساحاته، ويعطينا مع المتعة والتشوق والتلذذ الكثير من الحكمة والعبرة والعزاء، فهو بلا شك فنان شهادة أدبية على زمن أدبي وصحفي وثقافي يأبى إلا أن ينقل إلينا أنفاسه التي لا تزال لديه ساخنة، إنه لا يكتب إلا عما عرفه ولمسه سمعا وكلاما ومصاحبة. يعقد وديع فلسطين بيننا وبين الشخصية التي يكتب عنها علاقة إنسانية حميمة تجعلنا نبدو وكأننا قد سكنا وعشنا معها ردحا كافيا من الزمن، ومهما كانت الشخصية محسوبة على نسق في التفكير أو موقف في السياسة نختلف معها أو نعاديها، نجد أننا نتقبلها على الرغم من الخلاف أو العداء، فوديع فلسطين قادر في كل الأحوال أن يجذبنا إليها بحنين إنساني يروض، بظرفه ولطفه وأناقته، نفورنا الفكري أو السياسي فيكسر من حدته، ولا أكون مغالية لو رأيته، بسبب ذلك، «ملك» فن كتابة رسم الملامح الشخصية للأعلام الذين قد نعرفهم أو الذين نتعلم منه معرفتهم، وندرك كم كان ضروريا أن نتبين إنجازاتهم ومعاناتهم. لقد أعاد لنا وديع فلسطين زهوة «فن التراجم» الذي كاد يختفي من ساحتنا الأدبية.