من يحفظ لليلى وجهها الذي يختزل الأطياف؟!

TT

يروي الدكتور د. ت. سوزوكي أن أحد المحاربين اليابانيين القدامى، راح يستمتع في صباح ربيعي بالسير في حديقته وسط الأزهار، حينما أحس فجأة برائحة القتل أو الموت «الساكي» تهدده من الخلف، واستدار المحارب فلم يجد خلفه سوى خادمه الصغير الذي يحمل سيفه، ولم يستطع المحارب تحديد المصدر الذي انبعثت منه رائحة القتل أو «الساكي»، وحينما اشتدت حيرة المحارب وازداد قلقه، اعترف خادمه الصغير بأنه في تلك اللحظة التي أحس فيها المحارب برائحة القتل كانت تدور في ذهن الخادم فكرة أن سيده المحارب لن يقوى على الدفاع عن نفسه، لو قدر له أن يضربه من الخلف!!

تشير هذه الحادثة إلى أن للقتل رائحة يعرفها الذين يقفون على تخومه، واللبنانيون يعيشون وسط تلك الرائحة منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى الرحيل الأخير لأنطوان غانم، فلا تكاد الرياح تبعثر تلك الرائحة، حتى تفوح من جديد، ليتسربل طائر الفينيق بالرماد.. فهذا البلد الذي ظل قادرا على استحضار الضوء من رحم العتمة، وعلى انتشال الفرح من براثن الخوف، وعلى زراعة الأمل في مشاتل اليأس، يتعثر اليوم في دياجير الغسق، وقد تحشرج صوت فيروز بالدموع:

«وبليل كلُو ليل

سال الحقد بفيِة البيوت

والإيدين السودا

خلعت الأبواب

وصارت البيوت بلا أصحاب».

مشكلة لبنان اليوم أن الكثير من زعاماته تدعي وصلا بليلى، ولم تعد تدري ليلى لمن تقر بذاكا، حتى غدا حال لبنان كحال النائم على سرير «بروكرستس»، وبروكرستس هذا يجبر الضحية على النوم في سريره، فإن كانت أطول من السرير قص الزائد من ساقيها، وإن كانت أقصر من السرير شد الضحية حتى لو اضطر إلى خلع مفاصلها.. فإن كان كل يريد لبنان حسب طلبه، ووفق مواصفاته، فمن يحفظ لليلى وجهها الجميل الذي يختزل كل الاطياف؟!

[email protected]