حدث رمضاني غريب ومثير وساخن!

TT

في يوم رمضاني أمريكي ساخن، وبالتحديد في الولاية الذهبية كاليفورنيا، ركبت سيارتي وأسرتي الصغيرة ساعة الهجير الحارة منطلقين من مدينتي الصغيرة الوادعة «فرزنو» حيث كنت أحضر لدراساتي العليا، متوجهين شطر مطار المدينة النشطة «سان فرنسيسكو» حيث طائرتنا التي ستقلع بنا وبقلوبنا المشتاقة إلى الوطن عن طريق العاصمة الصاخبة لندن، وعلى الرغم من أنه كان يوما صائفا رمضانيا طويلا، إلا أننا كنا في سيارتنا منتشين فرحا لأنها رحلة العودة لرؤية الأهل والأحباب «فكل الذي يلقاه فيها محبب»، والثاني، وهو بيت القصيد، لأنني كنت سعيدا في اختيار توقيت مغادرة طائرتي من سان فرنسيسكو ليكون الإقلاع قبل مغيب الشمس بثلاث ساعات فأكسب صوم ذلك اليوم، وأكسب معه «تخفيضا» في عدد ساعات الصوم لأن الطائرة ستنطلق بنا من الغرب إلى الشرق أي عكس الشمس فالنتيجة المنطقية أنه سيكون إفطارنا في الطائرة قبل وقت الإفطار في كاليفورنيا على الأقل بساعة ونصف، ويا لصدمتنا ودهشتنا وتعبنا وشقائنا ذلك اليوم!!!

تحركت بنا الطائرة في موعدها المحدد أي قبل غروب الشمس بثلاث ساعات وانطلقت في عباب السماء وأنا أفرك يدي فرحا وجذلا أننا سنفطر في الجو قبل أصحابي الصائمين على الأرض، مضت ساعة ثم ساعتان، وبدأ فارق الوقت مع الصائمين على الأرض يتقلص وأنا في حيرة من أمري، وزادني حيرة أن الشمس بدل أن تكون خلف الطائرة حسب فرضياتي الخاطئة وجدتها في الجهة اليسرى تماما. مالت الشمس ببطء شديد نحو الغروب وأنا في سباق مع الزمن لعلي أحصل على فرصة «التخفيض» المنتظرة ولو نصف ساعة، الغريب أن وقت الإفطار في كاليفورنيا أدركنا وتجاوزنا والشمس لا تزال متجهة نحو المغيب لكنها لا تغيب، صدقوني أن الشمس بدت في الأفق وكأنها ستغيب بعد عشر دقائق فظلت في مكانها مدة طويلة راكدة هامدة جامدة، كأن نوبة عناد اعترتها أو حالة إصرار انتابتها، حقا كانت ظاهرة كونية مهيبة.

كانت نظراتنا الحزينة تتوزع بين التميرات التي أمامنا وبين الشمس العنيدة التي تباطأت وتكاسلت وتثاقلت خطاها نحو المغيب، كنت ألمح في الشمس وهي تطل علينا من نافذة الطائرة وكأنها تؤنبني على عدم أخذنا برخصة الإفطار في السفر «والله يحب أن تؤتى رخصه مثلما يحب أن تؤتى عزائمه»، غابت الشمس وتلاشت بعد أن تلاشت معها فرضياتي وآمالي الخاطئة بالاستمتاع بإفطار لذيذ مبكر، أفطرنا بعد جهد ومعاناة وطول انتظار، لكن شيئا ما في الأفق ما برح عجيبا غريبا، فعلى الرغم من أن الشمس كانت قد غابت لأكثر من 45 دقيقة إلا أن الأفق بدا مضيئا شديد الوضوح وكأن الشمس قد غابت منذ دقائق، ظواهر كونية غريبة غير مألوفة.

لا تتصور عزيزي القارئ أن الشمس حين غابت قد غاب معها مسلسل الظواهر الكونية المدهشة في رحلتنا الرمضانية المثيرة، فإن الأشد غرابة من هذا وذاك وتلك أننا ونحن منهمكون مستمتعون متلذذون بوجبة الإفطار بعد عناد الشمس وتثاقل خطاها في السير نحو المغيب، وبينما كنت أتحدث مع «المدام» عما واجهناه في رحلتنا من عنت ومشقة وإثارة حتى انتهى بنا المطاف بمغيب الشمس العجيب الغريب، ظهر لي في الأفق مرة أخرى أمر مثير ظننت من غرابته أنني في حلم، الشمس تطلع مرة أخرى بعد أن غابت بحوالي 45 دقيقة فقط !!!! توقفت عن الطعام ولفظت ما في فمي ظنا مني أن مغيب الشمس الذي كنا نرقبه وشاهدناه كان وهما وأحلام يقظة نسجها خيال الرغبة وأمنيات الجوع، وإلا فكيف أفسر وجود الشمس في الأفق مرة أخرى وبعد مغيبها بـ 45 دقيقة فقط!!!؟

سألت المضيف عن الذي يجري!!؟ فقال لي بكل بساطة إن الشمس التي رأيتها تطلع هي شمس يوم جديد، قلت له: ولكن لم يمض على غيابها أكثر من 45 دقيقة؟ فقال: لأن المنطقة التي نمر عليها في طريقنا إلى أوروبا جزء من المحيط المتجمد الشمالي حيث لا يزيد الليل فيها في شهر يونيو عن أكثر من 45 دقيقة فقط !!! هل أدركتم حكمة الشرع في الترخيص بالإفطار في السفر؟

[email protected]