ثنائي القرن العشرين.. كلينت ايستوود

TT

ليلة مغادرة الصين لم يستطع نيكسون النوم. وعند منتصف الليل دعا كيسنجر وهالدمان. وقال انه ليس واثقا بأن الصحافة سوف تتفهم حقا الانجاز الذي تم تحقيقه. وكتب كيسنجر في ما بعد يصف حالة رئيسه تلك الليلة «كان وحيدا، معذبا وضعيفا، وكان يتوسل مديحا يعيد إليه الثقة بالنفس».

لكن الثقة بالنفس ليست مسألة هينة بالنسبة الى رجل لا يثق بأحد ولا يعتقد أن أحدا يثق به. من الصعب أن تنزع من عقل الرجل صورة المزرعة الصغيرة في كاليفورنيا وصورة الأب البقال وصورة الأم الطاغية التي يخاطبها الصغير ريتشارد في رسائله بقوله: «سيدتي ومعلمتي». ها هو كيسنجر يزداد لمعانا ورئيسه يزداد اشتعالا. وبدا المستشار للأميركيين على انه صانع سلام وصاحب فكرة المصالحة مع الصين. وغضب نيكسون عندما علم أن مجلة «تايم» ستجعل كيسنجر «رجل العام». وطلب من مساعده، اريلكمان، ان يتدخل لدى ادارة التحرير: أين دور الرئيس؟ أليست المصالحة قراره هو قبل الجميع؟ هل تريدون تسجيلات الأحاديث في هذا الأمر؟ وفي النهاية قبلت المجلة أن يكون غلافها السنوي مقسوما بين الرئيس ومستشاره.

ارتكب كيسنجر غلطته القاتلة عندما قبل التحدث الى الصحافية الإيطالية اوريانا فالاتشي. وقد حذره كثيرون من ذلك، لكن حبه للشهرة كان أقوى. وبما ان المقابلة كانت مسجلة فإنه لم يستطع ان ينفي ما جاء فيها. وماذا جاء فيها؟ جاء الآتي: «المسألة كلها هي أنني تصرفت منفردا. الأميركيون يحبون ذلك الى حد بعيد. الاميركيون يحبون الكاوبوي الذي يقود العربة الأولى راكبا على حصانه، الكاوبوي الذي يدخل البلدة وحده ليس معه سوى حصانه... إن هذا الدور يناسبني تماما لأنه كان دوما جزءا من أسلوبي. اسلوب الرجل الواحد». منفردا؟ أين نيكسون إذن؟ ما هو دور الرئيس؟ لذلك سوف يقول أحد مساعدي نيكسون بعد ظهور المقابلة «لم نكن نعرف من قبل أن كيسنجر يقوم بدور كلينت ايستوود (ممثل أفلام الكاوبوي). أما الرئيس نفسه فقد طلب من هالدمان أن يبلغ كيسنجر بأن «كل كلمة قد سجلت. وتفاصيل الرحلة الى الصين مدونة. وكلمات الرئيس كلها مسجلة».

بينما كان العالم أجمع، في ذلك الوقت، يتطلع الى البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، كان أقوى رجلين في العالم غارقين في الغيرة والخوف وانعدام الثقة. ولم يكن الرئيس الأميركي ومعاونوه يكفون عن ملاحقة «الولد اليهودي». لكن الأمور سوف تتغير بعد خروج وزير الخارجية وليم روجرز، ثم بعد انكشاف مسألة «ووتر غيت». ولست أدري كيف سيشعر العالم العربي الآن عندما يعرف أن «مشروع روجرز» لم يكن سوى نتيجة للصراع الصبياني في البيت الأبيض ووزارة الخارجية.

إلى اللقاء