أدبيات رمضانية

TT

أمسيات رمضان المبارك من أمتع ما يمر به المسلم في حياته. اعتاد كثير من زملائي المغتربين على الإسراع لبلادهم الإسلامية، حالما اقترب هلال رمضان. يفعلون ذلك لئلا يفوتهم الاحتفال به وبلياليه الزاخرة بالأفراح. لكل منا عاداتنا التي تعودنا عليها منذ الطفولة في إحياء لياليه. وفي عالم الأدباء والشعراء اعتادوا على قضاء الأمسيات الرمضانية بالمطاردات الشعرية واستذكار ما طاب من فرائد الشعر العربي والتراث. ظلت هذه الأمسيات حافلة بالأنس والمتعة مما جعل حتى اليهود والنصارى يخفون اليها للمشاركة فيها مع إخوانهم المسلمين. شهدت وسمعت الكثير من ذلك مما حفلت به المدن الدينية كالنجف وكربلاء والأعظمية.

أورد سلمان طعمة في كتابه «كربلاء في الذاكرة»، شيئا من هذه الجلسات. لا شك ان مشكلة من عليه واجب الصيام ومن له عذر في كسر الصيام من المواضيع التي استهوت الظرفاء والمتمازحين. حدث مثل ذلك في كربلاء عندما زار الشيخ موسى الأصفر، بيت الشيخ الفاضل علي تقي الطباطبائي، في مجلسه. كان من مجالس كربلاء الزاخرة بالعلم والأدب. وشاء الشيخ موسى أن يداعب السيد الطباطبائي باستفتائه في موضوع الصوم. هل يجب على المفلس؟ فالمفلس لا يستطيع ان يشتري لنفسه سحورا أو فطورا أو يدفع الفطرة في آخر الشهر. هل يجب عليه الصوم؟ وكأديب وشاعر، صاغ سؤاله بقالب القصيد، فقال:

* مسـألة أتعبنـي حلـها - وأنت فيها ســيد أخبر

* رمضان شهر جاءنا مسرعا - يصومه المفلس أم يفطر؟

وكان المجلس حاشدا بعلية القوم من الأدباء وأهل الفضل ويحتضن نخبة صالحة من رجال العلم والأدب، ومن غواة الشعر. كان بينهم الشيخ محسن الخضري. فارتجل مجيبا الشيخ موسى نيابة عن الشيخ الطباطبائي، فقال:

* رمضان شهر واجب صومه - وغير ذات العذر لا يعذر

* الصوم إمساك وكف، ومـن - أفلـس في إحرازه أجدر

وفي جلسة رمضانية أخرى، ذكروا أن الخطيب والشاعر جواد الهندي، قرر الاعتكاف في أيام الصوم والبقاء بين أهله، فافتقده القوم فقرروا معاتبته. انبرى احدهم فصاغ عتابه بهذين البيتين:

* تحمل شهر رمضان عنا فأفطرنا - فما بالنا عن نيل وصلكمُ صمنا؟

* وكنا بكم في عيشة ذات بهجة - وإنا لنرجو أن نعود كما كنا

وصلت الوريقة الى السيد جواد الهندي فأجاب عنها بهذه الأبيات على ذات الوزن والقافية والخاتمة. وهي أبيات تعبر والله عن عواطف سائر المغتربين والمشردين بعيدا من ديارهم الإسلامية:

* فلا تزعموا أنا نسينا عهودكم - ومجمعنا للأنـس مذ نحن أفطرنا

* ولكنما الأيام ما زال شـأنها - تقرب ما يشـجي وتبعد ما يهنى

اما وليالي الوصل فالقلب لم يصم ولو أننا والطرف من وصلكم صمنا

* فلا يبعدن الله ساعات وصلكم - فمهما أتانا أمركم نحوكم سـرنا

* نفوز بكم في عيشة ذات بهجة - وأنتم كما كنتم ونحن كما كنـا