العراق: فيدرالية.. وليس تقسيما

TT

استقبلت ادارة بوش وحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي التصويت الذي جرى الاسبوع الماضي بخصوص السياسة العراقية ـ انطلاقا من خطة اقترحناها في العام الماضي ـ برد فعل سيئ التقديم وغير حقيقي. فقد صوت 75 من اعضاء مجلس الشيوخ، من بينهم 26 جمهوريا للترويج لتسوية سياسية في العراق اعتمادا على مشاركة سلطة غير مركزية.

وبدلا من ذلك شوهت حكومة المالكي والإدارة ـ عبر سفارتها في بغداد ـ تعديل بايدن/ بروباك بطريقة لا يمكن التعرف عليه، واتهمتنا بأننا نسعى الى «تقسيم العراق بالتخويف والقوة وغيرها من الوسائل».

ونريد توضيح الأمر. اذا لم تكن الولايات المتحدة قادرة على وضع فكرة الفيدرالية على المسار، فليس لدينا اية فرصة لتسوية سياسية في العراق، وبدون ذلك، ولا توجد فرصة لترك العراق بدون نشر الفوضى وراءنا.

أولا خطتنا ليست التقسيم، بالرغم من ان بعض المؤيدين ووسائل الاعلام وصفتها خطأ بذلك. فهي ستحافظ على العراق بإحياء نظام الفيدرالية المتضمن في دستوره. عراق فيدرالي هو عراق موحد، ولكنها تعني منح القوة الى حكومات محلية، وتتحمل حكومة مركزية محدودة مسؤولية القضايا المشتركة مثل حماية الحدود وتوزيع عائدات النفط.

والعراقيون لا يعرفون نظام الفيدرالية، والذي كان، فيما عدا وجود محتل او ديكتاتور، تاريخيا الطريق الوحيد للحفاظ على الدول غير المتحدة. ويمكننا الإشارة الى نظامنا الفيدرالي وكيف بدأ ومعظم السلطات في يد الدولة. ويمكن الاشارة الى حلول مشابهة في دولة الامارات العربية المتحدة وأسبانيا والبوسنة. ويريد معظم العراقيين الحفاظ على بلادهم متكاملة. ولكن اذا كانت قيادات العراق تسمع دائما من القيادات الأميركية، ان الفيدرالية تعني او ستؤدي الى التقسيم، وهذا ما سيؤمنون به.

وبديل ادارة بوش لذلك هو الترويج لحكومة مركزية قوية في بغداد. ومثل هذه الحكومة المركزية لا تعمل، فهي فاسدة وتعتبر، على نطاق واسع، غير جديرة بالثقة. ولم تنجح في التوصل الى مصالحة سياسية ـ ولا يوجد دليل على ذلك.

ثانيا لا نحاول فرض خطتنا. فإذا لم يرد العراقيون الخطة، فلا يجب قبولها، كما يوضح تعديل مجلس الشيوخ. وربما يدرس العراقيون والبيت الأبيض الحقائق. ان الدستور العراقي يطرح فكرة حكومة فيدرالية. وبالنسبة للمحافظات المقسمة طبقا للانتماء الطائفي، فإن الدستور يترك ذلك الاختيار الى سكان المحافظات.

ولا يمكن للبيب الأبيض الشكوى من اننا سنفرض حلا غير مقبول على العراقيين. ولم يتردد الرئيس بوش في ابعاد رئيس الوزراء العراقي السابق ابراهيم الجعفري لتسهيل الطريق امام المالكي، ويمكن ان يفعل نفس الشيء للمالكي.

ويوجد للولايات المتحدة مسؤوليات في العراق لا يمكننا التهرب منها. وسيحتاج العراقيون الى مساعدتنا في الحصول على الدعم للحل الفيدرالي. ومع وجود 160 الف أميركي معرضين للخطر في العراق، مع مئات المليارات من الدولار التي انفقت، ومع مقتل 3800 شخص حتى الآن وإصابة 28 الفا بجراح لدينا الحق في سماع اصواتنا.

ثالثا خطتنا لن تؤدي الى «معاناة ودماء»، كما اشارت السفارة الأميركية خطأ. ومن الصعب تخيل مزيد من المعاناة وإراقة الدماء أكثر مما يحدث الآن من الميليشيات التي تتواطأ معها الحكومة والجهاديين والبعثيين. لقد فر اكثر من 4 ملايين عراقي من بيوتهم، معظمهم خوفا من العنف الطائفي.

ويجب على ادارة بوش مساعدة العراقيين على انجاح الفيدرالية ـ عبر اتفاقية عادلة لتوزيع عائدات النفط، وعودة اللاجئين ودمج اعضاء الميليشيات في قوات الأمن المحلية، وإعادة تركيز بناء القدرات والمساعدات في المحافظات والأقاليم ـ وعدم تخويفهم بالربط بين الفيدرالية والتقسيم، والطائفية والتخويف الأجنبي.

ومما يزيد الأمر سوءا، هو أن الادارة قد مارست استراتيجية الانطلاق من القاعدة تبدو مثل الفيدرالية ورائحتها مثل الفيدرالية ـ ولكنها في الواقع وصفة لفوضى.

وتلك الاستراتجية تعني أن الولايات المتحدة ستؤيد أية جماعة في أي مكان تقاتل القاعدة او الشيعة المتطرفين. والآن يبدو الأمر مناسبا للحصول على حلفاء بين شيوخ العشائر لمقاتلة العدو الارهابي المشترك. ولكن تأييد تلك الجماعات وبدون أي هدف سياسي يبدو دعوة للفوضى.

ان الفيدرالية هي الاطار الذي يحقق الرغبات المتناقضة لمعظم العراقيين للاستمرار ككل ورغبات العديد من الجماعات لحكم انفسهم في الوقت الراهن. كما انها تعترف بحقيقة الاختيار الذي نواجه في العراق: فترة انتقالية الى الفيدرالية او تقسيم حقيقي عبر الحرب الأهلية.

* جوزيف بايدن (النائب الديمقراطي عن ديلوار) ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ. وليزلي غيلب رئيس شرفي لمجلس العلاقات الخارجية

* خدمة واشنطن بوست ـ

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)