تدخل أم نصيحة؟

TT

حبذا لو اعتبر رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، دعوة مجلس الأمن، اللبنانيين الى تنظيم انتخابات رئاسية «حرة ونزيهة» في موعدها الدستوري، ورقة ضغط دولية ومميزة يمنحها المجلس له بالذات لاستكمال مبادرته الوفاقية، خصوصا أن الدعوة تأتي من أعلى شرعية دولية وأنها تعبر، قبل أي شيء آخر، عن وحدة موقف الأسرة الدولية من موضوع الانتخابات الرئاسية في لبنان.

تشديد مجلس الأمن على انتخابات رئاسية في لبنان «بدون أي تدخل أجنبي» فرصة سياسية يعز على أي لبناني أهدار توظيفها في سياق التمهيد لانتخاب رئيس يكون ـ بعد طول انتظار ـ « صناعة لبنانية» أولا.

ربما كان شعور الرئيس بري أن مجلس الأمن، رغم صفته الشرعية الدولية، آخر من يصح له تذكير المؤتمنين على الدستور اللبناني بواجباتهم الدستورية هو الدافع الأقوى لردة فعله الغاضبة على دعوته. وقد يكون محقا في هذا الشعور بعد أن حدد فعلا موعد الانتخاب الرئاسي.

ولكن، حتى في حال التسليم جدلا بأن نصيحة مجلس الأمن تشكل «تدخلا» في شؤون لبنان، فإن الملاحظة الاولى التي تثيرها هي: من جعل «حائط» لبنان واطيا الى هذا المستوى ليسهل التدخل بشؤونه من كل حدب وصوب ومن القاصي والداني ايضا؟

لا مجال، في هذه العجالة، لجدل بيزنطي حول حق مجلس الأمن في ان يعبر عن موقف دولي ما من قضية سياسية ـ مثل الازمة اللبنانية ـ تهدد تفاعلاتها باثارة أزمة اقليمية في مرحلة دقيقة التعقيد.

مع ذلك، لو كان «تدخل» مجلس الأمن هو الأول في تاريخ لبنان لفهمنا ردة فعل الرئيس بري الغاضبة عليه ولشاركه بها كل اللبنانيين. إلا أن مشكلة هذا «التدخل» أنه علني، أولا، و«جماعي» ثانيا، الأمر الذي لم يعتده اللبنانيون الذي تربوا خلال العقود الثلاثة المنصرمة على الوحي الصادر همسا، وحكرا على جهة واحدة.

وإذا كان الرئيس بري اعتبر نصيحة «تحصيل الحاصل» الصادرة عن مجلس الأمن «تدخلا» في شؤون لبنان فبماذا يصف مبادرات التسوية التي سبقتها، من عربية الى أجنبية... وكان هو شخصيا محور معظمها ان لم يكن كلها؟

جميل أن يذكّر الرئيس بري المنظمة الدولية بأن انتخابات الرئاسة في لبنان أمر «يعود الى الشعب اللبناني» ويدخل «في اختصاصات مجلس النواب اللبناني» فحسب.

... ولكن حين يكون قرار فتح أبواب المجلس النيابي وإغلاقه بوجه ممثلي «الشعب اللبناني» أمر يدخل «في اختصاصات» رئيس مجلس النواب وحده، ألا يحق للمنظمة الدولية تذكير ذوي الاختصاص بالاستحقاقات الدستورية في بلادهم؟

وإذا كان مجلس الأمن قد تحول في الآونة الأخيرة الى بديل لمجلس النواب اللبناني، فانه يصعب فصل هذا التطور عن قرار الرئيس بري أقفال أبوابه بوجه ممثلي «الشعب اللبناني» ـ الذين يعود لهم وحدهم أمر انتخاب رئيسهم كما أكد ـ فألغى بذلك دور مجلس النواب في أحلك أيام اللبنانيين سوادا وأشدها حاجة اليه، وأسدل الستار على الموقع الطبيعي لأي محاولة حوار جدية بينهم.

على هذه الخلفية قد تكون أهمية مجلس الأمن أن أبوابه مفتوحة بوجه الجميع، لا تقفل بقرار حزبي أو سياسي أو مزاجي ـ حتى ولو كان جورج بوش صاحب هذا القرار.

واليوم، وبعد أن دفعت أساليب المعارضة غير الديمقراطية أزمة لبنان نحو أفق شبه مسدود، هل يلام اللبناني إذا تتطلع الى مجلس الأمن الدولي كآخر خشبة خلاص من أزمة سياسية استعصت على أرباب الحل والربط في بلده ـ أو أن بعض القيادات "اللبنانية" إرادتها أن تستعصي الى أن يأتي الترياق مما وراء العراق؟

ربما يفسر انتظار هذا الترياق مطالبة المعارضة اللبنانية برئيس «توافقي» بأي ثمن كان، فتعبير «التوافقي» أصبح التورية الدارجة حاليا للمطالبة برئيس «متعدد الولاءات» الخارجية... علّ الوصي السابق على لبنان، والوصي الأكبر على الوصي السابق، يضمن حصة له فيه... ما يعني أن البحث عن الرئيس «التوافقي» سيتحول الى بحث عن «الحصص» المطلوب توافقهم عليها في الرئيس الجديد، قبل توافق اللبنانيين على اسمه... إن لم يكن كشرط لطرح هذا الاسم.