دعم العرب وأوروبا لمؤتمر السلام

TT

تزايدت حظوظ تحقق اتفاق إسرائيلي ـ فلسطيني هذه الأيام، وهذا ما سيعزل متطرفي حماس الذين يسيطرون على قطاع غزة، حسبما قال مسؤولون أوروبيون يزورون نيويورك حاليا. والخبر الجديد هو أن الأوروبيين ذكروا إمكانية تحقق نتيجة كهذه من دون بروز تقطيب فوق وجوههم.

ويستند تفاؤلهم الواضح، لكن الحذر، إلى تحقق تقدم في المفاوضات التحضيرية الجارية حاليا ما بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك والزعيم الفلسطيني محمود عباس. وكلاهما أصبحا ضعيفين سياسيا، وهذا ما قد يجعلهما من دون أي موقع آخر سوى التوجه صوب السلام.

ليس هناك أي يقين من أن مؤتمر نوفمبر (تشرين الثاني)، الذي تأمل إدارة بوش الإشراف عليه، سينجح أو حتى سينعقد. ففي الشرق الأوسط يمكن لفظاعة تحدث في يوم ما أو وقوع جَيَشان سياسي محلي أن يلغي جهودا دبلوماسية ناجحة استغرق القيام بها أشهرا. والرهان الآمن هو نفسه: ليس هناك سلام الآن.

لكن توسطا أميركيا متأخرا قامت به وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، أضاء ثلاثة تغييرات يجب أخذها بعين الاعتبار في تقييم ما إذا كانت وزيرة الخارجية قادرة على انتزاع اتفاق ما مبنيّ على المبادئ التي توصل إليها أولمرت وعباس.

جاءت السيطرة على غزة من قبل حماس لتعطي أولمرت وعباس والرباعية الدبلوماسية، التي تضم روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، قضية مشتركة، واتفاقا عاما على الوسائل. فالهدف من مؤتمر نوفمبر هو الوصول إلى اتفاق يبدأ تدريجيا بتشجيع الفلسطينيين في غزة كي يتخلوا عن حماس ويتبعوا السلطة الفلسطينية التي تم إصلاحها والتي يقودها محمود عباس.

وتردد على لسان بعض المصادر الدبلوماسية أن عباس سيوافق على اتفاق من هذا النوع باعتباره آخر عمل يقوم به كزعيم. فهو سيكون على استعداد للتنحي ضمن تغيير يتولد بفضل الاتفاق ثم تبادر إسرائيل آنذاك بإطلاق سراح مروان البرغوثي، القيادي الشعبي من فتح، والذي يقضي خمسة أحكام مؤبدة بالسجن لأعمال قتل وقعت خلال فترة قيادته.

ودافع أولمرت للتعامل هو البقاء وليس الرحيل. واتفاق سلام هو رهانه الأفضل من أجل تغيير اتجاه معدلات الإقرار المنخفض التي أثارتها الحملة العسكرية التي أساءت التعامل ضد حزب الله في لبنان العام الماضي. وإذا استطاع أولمرت أن يدفع عباس إلى الاعتراف بالمحتم، الضمان الرسمي بأن إسرائيل سيكون لها القول الفصل في إدارة «حق العودة» من جانب اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، فإنه يمكن أن يكون مرشح السلام في إسرائيل في الانتخابات المقبلة.

إن الانجذاب السياسي والرومانتيكي المديد لأوروبا تجاه الراديكاليين الفلسطينيين وقضيتهم قد تراجع إلى أدنى مستوى له منذ أربعة عقود. فالدمار الذي أحدثته التفجيرات الانتحارية والأفعال الإرهابية الأخرى في الانتفاضة الثانية، وكذلك انهيار غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي من جانب واحد، أسهما في مزيد من إعادة التوازن في المشاعر الأوروبية.

وقد أصيب المسؤولون العرب بالفزع بسبب التغير الدراماتيكي الذي ظهر في فرنسا منذ انتخاب نيكولا ساركوزي رئيسا في مايو (أيار) الماضي. فقد عبر ساركوزي صراحة عن عزمه على تقديم دعم أكبر لإسرائيل على المستوى الدولي. كما أشار إلى أنه سيبتعد عن السياسة المؤيدة للعرب التي تبناها شارل ديغول عام 1967 وتابعها بنشاط جاك شيراك.

ولكن الأمر لا يتوقف عند حدود فرنسا. فعندما زار رئيس الوزراء الإيطالي، رومانو برودي، إسرائيل في الصيف الحالي، أوضح أن حكومة التحالف التي يقودها، تدعم مبادرة الرباعية التي تكلف الآن رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، بمهمة مبعوث خاص.

وأبلغ الرئيس المصري حسني مبارك، أخيرا، مسؤولا أوروبيا بطريقة تنم عن الازدراء وفقا لملاحظات دونها المسؤول عن الحديث «نحن نرى بالضبط ما تفعلون.. ستخسرون الكثير في العالم العربي».

ويشير تحدي مبارك إلى تغيير ثالث أقل إيجابية: حركته العاجزة المحاصرة بشأن السلام مع إسرائيل وكذلك التغير السياسي وتعمق المشكلات الاجتماعية في داخل بلده. وفي ظل أنور السادات كانت مصر واضحة بشأن السلام والتغير الإقليمي. أما الآن فإن مصر تقول إنها ستأتي إلى المؤتمر الذي ترعاه الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل بمزاج سلبي تماما. وستكون هناك لدعم المملكة العربية السعودية وليس جهود السلام الأميركية.

ويبدو أن لدى السعوديين على الأقل طريقة أكثر نشاطا. فقد أبلغ وزير الخارجية، سعود الفيصل، الصحافيين في نيويورك يوم الأربعاء الماضي أن «إيقافا إسرائيليا لبناء المستوطنات في الضفة الغربية سيكون إشارة طيبة تظهر النيات الجادة» للتوصل إلى سلام. وأشار إلى أن ذلك سيمكن المملكة العربية السعودية من حضور المؤتمر.

ويعتبر تشجيع الولايات المتحدة لإيقاف إسرائيل الهادف في الوقت الحالي خطوة أساسية في إنقاذ غزة من حماس في الشتاء الحالي. وهكذا هو الحال مع الدعم الأميركي الكامل لجهود بلير الطموحة من أجل إشراك القوى المعتدلة في غزة.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»