الملابس كلها إلى (حريقة)

TT

قرأت أن حرب (القرم) التي حصلت سنة 1854 كانت هي آخر الحروب (الرومانتيكية) في التاريخ، طبعاً سبقتها عندنا نحن العرب حرب (داحس والغبراء)، ولحقتها في ما بعد عندنا أيضاً نحن العرب (حروبنا مع إسرائيل) التي تراوحت بين أن نرميهم نحن في البحر وبين أن يرمونا هم في خيام اللاجئين و(طحين) الإغاثة، والنتيجة معروفة.

ما علينا، خلونا نعود إلى حرب القرم الرومانتيكية التي يقولون عنها إنها كانت أشد الحروب بساطة وارتجالاً، وكانت مسرحاً لعدد من الأحداث العجيبة.

أولها: أن عدداً من السائحين كانوا يذهبون لمشاهدة تلك الحرب لمجرد التسلية كما يذهب الناس لمشاهدة مباراة رياضية.إلى درجة أن هؤلاء المتفرجين صاروا يذهبون إلى الخطوط الأمامية وهم يحملون الهدايا من علب الحساء المحفوظة، وحلوى رأس السنة، واللحوم الباردة، والمشروبات الروحية، وكانوا يدخلون الخنادق، ويطوفون ببطاريات المدفعية دون اعتراض أي أحد من الجنود المتحاربين.

بل ان زوجات بعض الجنود إذا (هفهن الشوق) إلى أزواجهن (تدحرجن من فوق إلى أسفل)، وكن يقضين لياليهن في أحضان أزواجهن داخل الخنادق، وكان رفاق الأزواج يعطونهم تلك الفرص المستقطعة، فيفسحون لهم المكان الضيق، ويديرون لهم ظهورهم، ولا يسألونهم ماذا فعلوا في ليلة البارحة المباركة.

وبعد أن تقضي الزوجات أوطارهن، يخرجن من الخنادق بأزيائهن المزركشة وقد ازددن نشاطاً وحبوراً، وكأن شيئاً لم يكن.

وأروع وأتعس ما في الموضوع أن جندياً إنجليزياً تزوج في ساحة القتال فتاة روسية وكان شهود هذا الزواج هم من الأعداء المتحاربين، وزفوها بفستانها الأبيض، وفي ثاني يوم عاد الجندي العريس متحمساً إلى كتيبته لتصيبه في رأسه رصاصة طائشة فيقضي نحبه في الحال، ليتوقف القتال، ويفتحون سرادق للعزاء لتقف العروس الأرملة في وسطه وهي مرتدية ثوبها الأسود (ويا فرحة ما تمت).

وأصدقكم القول إنني اكره الحروب كلها كبيرها وصغيرها، ولا أتصور إنني سوف أخوض أياً منها، حتى لو امتد بي العمر آلاف الأعوام.

* * *

هل تصدقون أن الفلاحين في أوروبا إلى أوائل القرن التاسع عشر، كانوا ينامون وأقدامهم لا رؤوسهم هي التي يضعونها على الوسائد، اعتقاداً منهم أن الأقدام أكثر من الرؤوس معاناة في النهار، فهي أجدر منها بالراحة.

وهم على حق، وهذا هو ما أطبقه أنا فعلاً في حياتي، فليس هناك في الدنيا كلها أعز عليّ من قدميّ، خصوصاً قدمي اليسرى المصابة باعوجاج وحركة زائدة على الحد.

* * *

يعتقد البعض أن المرأة التي لا تهتم بملابسها لا يهتم بها احد في أغلب الأحيان، وهذا صحيح إذا كانت تلك المرأة عادية، أما إذا كانت (مميزة) فجعل الملابس كلها في (حريقة).

[email protected]