أيّنا المجنون: نحن أم إدارة بوش؟

TT

تأتي بين الحين والحين تصريحات صادرة من إدارة الرئيس بوش لتجعلك تتساءل: هل أنا المجنون أم هذه الإدارة؟ والى ذلك ففي الأسبوع الماضي وجدت نفسي أمام مثل تلك اللحظات، بسبب إجابة جاءت من دانا بيرونو السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، حين سئلت حول المقترح الذي تقدم به ديمقراطيون بالكونغرس لرفع ضرائب لمواجهة الحرب في العراق، فجاءت إجابة داني تقول: ظللنا نعرف على الدوام طرق الديمقراطيين، وهم يرغبون في رفع الضرائب تقريبا تجاه كل شيء.

نعم، أولئك الديمقراطيون السخفاء، سيرفعون الضرائب من أجل أي شيء، حتى للحصول على هذا الهدف، ضرائب من أجل الحرب.

وتضيف دانا قائلة: ولكن حتى إذا فرضنا ورفعنا ضرائب على حربنا من أجل مقياس للديمقراطية في العالم العربي، فهل بوسع أحد أن يعتقد بجدية أن الديمقراطيين سينهون هذه الضرائب الجديدة التي سألوا دافع الضرائب الأميركي أن يدفعها، في وقت لم يكن أصلا من الضروري لها أن تفرض، أنا أعتقد أن فكرة كهذه تفتقد المسؤولية من الناحية المالية.

والآن أصدقائي، نحن أمام قضية تستدعي أن ننظر إليها بنظارة قراءة: فالموقف من الإدارة الأميركيــة يقــول: هنا عدم مسؤولية من الناحية المالية، أي مجرد أن ترغب في أن تدفع لتكلفة حرب بالضرائب. الديمقراطيون إذن لا يفهمون أن هناك مكافأة غير حقيقية للحرب، وفي الحقيقة فسكرتيرة البيت الأبيض الصحافية تعلم أن المكافأة تذهب في النهاية كل شهر لهانك بولسون وزير الخزانة، ويا لها من وسادة مريحة، يا إلهي، فبماذا سيخرج الديمقراطيون علينا بعدها؟ أهي ضرائب لبناء الجسور أو المدارس أو القطارات السريعة أو شبكات السعة العريضة المتخلفة عندنا؟ لا، فالمكافأة غير الحقيقة تغطي كل ذلك، فهي تستدين الفلوس من الصين، وتضعها تحت وسادة بولسون وزير الخزانة.

بالطبع نحن نستطيع أن نمول حرب العراق من دون زيادة في الضرائب. ولكن السؤال هو: هل بوسعنا تمويلها وفي ذات الوقت الإنفاق الاستثماري على البنيات التحتية والعلوم والتعليم بالصورة المطلوبة لوضع بلادنا مع مستحقات القرن الحادي والعشرين؟ في الإجابة، قم بزيارة الى سنغافورة واليابان والصين وكوريا، أو بعض أجزاء أوروبا اليوم، فستكتشف أن البنيات الأساسية لا تواكب منافسينا.

والشاهد أن بوسعنا أن ندفع اليوم أموالا لأي شيء إذا أردنا أن نوقف الاستثمــار في المستقبل، فيما جلد الرئيس سلفا بسياط التخفيض ميزانيات المعاهد القومية للبحوث خلال العامين الماضيين. وتريد ميزانيته لعام 2008 أن تخفض أموال التدريب المهني والبنيات التحتية والكثير من برامج مساعدة الطلاب.

والسؤال: هل يعتقد فريق بوش حقيقة أننا إذا ما فرضنا ضريبة دولار واحد على غالون الغازولين، الذي بوسعه أن يخفض اعتمادنا على نفط طغاة النفط في الشرق الأوسط ويقلل من ضرائب العمال ذوي الدخول المنخفضة، ويسدد العجز في ميزانيتنا، ويمول تطوير الطاقة المتجددة، سنكون أسوأ حالا كبلد؟

أعذريني سيدتي دانا بيرونو، ولكني أرغب في أن يواكب الجمهوريون ويغيروا منهجهم، وأظن أنهم محافظون جدا، أي من نوع الناس الذين يدخرون للأيام الممطرة القادمة، ويستثمرون في المستقبل من أجل أبنائهم، والشعبيين الذين لا يؤمنون بالوجبات المجانية والحروب المجانية.

وأخيرا، فالشاهد أن الأجيال الأميركية السابقة ارتبطت بقواتنا العسكرية من خلال تقديم تضحيات على الجبهة الداخلية هنا. ويقول روبرت هوماتس نائب رئيس غولدمان ساشز العالمية ومؤلف (ثمن الحرية)، وفحواه كيف دفع شعب أميركا لحروبه منذ عام 1776، يقول: لم يحدث أن مررت الأجيال السابقة بأميركا التكلفة الكلية لحرب للأجيال القادمة، ففي كل حرب كبرى خضناها طوال القرنين التاسع عشر والعشرين، طلب من أميركا أن تدفع ضرائب أعلى، فيما تم تخفيض البرامج غير الضرورية لمساندة المجهود الحربي، فيما وخلال هذه الحرب الأخيرة على العراق، تمّ تخفيض الضرائب، وعلا معدل الإنفاق الداخلي، وذلك على عكس الحال مع الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الكورية وحرب فيتنام، ففيها جميعها اقتضت النزاعات تلك تضحية اقتصادية. والآن، فالوحيدون الذين يضحون من أجل هذه الحرب في العراق هم الجنود وأسرهم. ويخلص هوماتس أخيرا إلى لفت الانتباه إلى تحذير جورج واشنطن الرئيس الأميركي الذي قال فيه: ليس من العدل والإنصاف في شيء أن نرمي على الأجيال القادمة أعباء كان من الواجب علينا أن نتحملها.

* خدمة نيويورك تايمز