المسكوت عنه في لعبة واشنطن وطهران

TT

إذا قرأت المدونات الليبرالية أو مجلة مثل «نيويوركر» يتشكل لديك انطباع بأن إدارة بوش متلهفة لرمي قنبلة على إيران. لكن عند محادثتي مع مسؤولين كبار من الإدارة سمعت شيئا آخر. إنهم قلقون من إجراءات إيران، وهم يشعرون بالخيبة لعدم نجاح العروض الدبلوماسية التي قدمت لإيران، لأنها لم تحقق أي تقدم حتى الآن. وهم يؤمنون بأن واشنطن وطهران تظلان ضمن مسار تصادمي حول برنامج إيران النووي ونشاطاتها الهادفة لزعزعة الأمن في العراق. لكن هؤلاء المسؤولين قالوا إنهم يسعون إلى تجنب أي نزاع عسكري مع طهران.

تريد الإدارة الأميركية من إيران أن تجري تحولا استراتيجيا عن طريق تحويل سياستها النووية، بحيث لا تبقى لديها القدرة كي تصنع قنابل نووية، وتوقف دعمها للإرهاب وتعمل مع الولايات المتحدة لتحقيق استقرار العراق. ويستمر المسؤولون في قناعتهم بأن النظام الإيراني قادر على تحقيق إجراء تحويل سياسي من هذا النوع، على الرغم من الانقسامات الداخلية. لكنهم استنتجوا أن إيران لن تساوم إلا إذا شعرت بأنها تحت ضغط أكبر من عقوبات اقتصادية أقوى، ومن تهديدات موثوق بها من استخدام القوة العسكرية ضدها.

وقال هؤلاء المسؤولون إن الشيء الأساسي هو أن على الولايات المتحدة تجنب وضع مستقبلي يكون الخيار الوحيد أمامها هو القبول بإيران النووية، أو أن تخوض حربا معها، والأكثر خطورة في الوضع هو أن الإيرانيين لا يأخذون قوة الولايات المتحدة مأخذ الجد. وترى طهران إدارة بوش متورطة جدا في العراق، إلى الحد الذي يجعلهم يكررون جملة لآية الله الخميني: «أميركا عاجزة عن القيام بأي شيء». وتأمل إدارة بوش في أن تكون الزيادة التي جرت في عدد القوات الأميركية ستقنع الإيرانيين بأن أميركا هي ليست مرهقة جدا كقوة عظمى مثلما يتصورون. ولزيادة الفاعلية، يتبع مسؤولو إدارة بوش عدة طريق بشكل متزامن. الأول هم يريدون الحفاظ على أوسع ائتلاف ضد البرنامج النووي الإيراني في الأمم المتحدة، حتى لو كان الثمن المطلوب دفعه إضعاف العقوبات الاقتصادية على إيران، إذ سيكون مجرد بقاء روسيا والصين متحالفتين مع الولايات المتحدة كافيا لإثارة القلق لدى طهران، كما يرى هؤلاء المسؤولون. وسيأتي الضغط الاقتصادي الحقيقي من إجراءات انفرادية، فتقنين قدرة إيران لاستخدام النظام المصرفي العالمي قد طبق حاليا، ويبدو أن الاتحاد الأوروبي بدفع من فرنسا أصبح على استعداد للسير في هذا الطريق.

لكن أصعب شيء هو تحديد الفعل العسكري. فمن جهته يستمر الرئيس بوش في الإصرار على أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، وأن هناك خطة طوارئ لعدد من الخيارات. وتركز بعض الخيارات على قوة القدس في الحرس الثوري، وهي القوة الأكثر تطرفا في الخليط المشوش الذي هو النظام الإيراني. ولكن أحد المسؤولين المطلعين يجادل بأن أية «ضربات جراحية» ضد قوة القدس، كما يناقشها سيمور هيرش في «النيويوركر»، لن تأتي إلا ردا على هجوم يؤدي إلى إصابات واسعة على القوات الأميركية في العراق، ويمكن أن تنسب الى ايران. وكان تجسيد القوة العسكرية الفعال وان يكن قد جاء صامتا في ضربة اسرائيل يوم السادس من سبتمبر ضد هدف في سوريا، حليف ايران الأساسي. وأخبرني مسؤول مطلع انه كان هجوما على مواد نووية قدمت إلى سوريا من كوريا الشمالية، وان الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا قد تشاركتا في المعلومات قبل الغارة. وكان الصمت من جانب جميع الأطراف هائلا، غير أن الرسالة إلى إيران واضحة. ويمكن للولايات المتحدة وإيران أن تشخصا أهدافا نووية وتوجهان الدفاعات الجوية لتدميرها. ويقول مسؤولون انه على الرغم من تصاعد التوترات الأميركية الإيرانية فإنهم يريدون الحفاظ على طريق مفتوح للحوار، أي «طريق للخروج، طريق للتوجه إلى عالم أفضل»، حسب إحدى الصيغ. وعلى الجبهة النووية فان وسيلة المساومة يمكن أن تكون الاقتراح الروسي للقيام بتخصيب مشترك لليورانيوم. وبشأن العراق فهناك اجتماعات مشتركة في بغداد لمناقشة المشكلات الأمنية، وهو باب دبلوماسي تؤكد الإدارة انه ما يزال مفتوحا، على الرغم من الافتقار إلى التقدم في الاجتماعين الأولين اللذين عقدا في الصيف الحالي.

وما يثير القلق هو أن هذا ما يزال لعبة أقرب الى سيارتين مقابل بعضهما بعضا في طريق ضيق وضعيف الإنارة. ومن أجل تفادي الاصطدام سيتعين على أميركا وإيران الحديث بلغة التسوية التي لم يظهر أي منهما حتى الآن الكثير من الوضوح فيها.

وفي عمود الأسبوع الماضي حول التشريع المتعلق بالمراقبة كتبت ان مدير الاستخبارات القومية مايك ماكونيل «بدا قريبا من التوصل إلى تسوية في أغسطس، ولكن البيت الأبيض رفض السماح له بالتوقيع على صفقة». وقد نفى المتحدثان باسم ماكونيل والبيت الأبيض هذا التقرير وأكدا على أن ماكونيل كانت لديه خطة ناقشها مع ديمقراطيين في الكونغرس بسبب نصيحة من موظفيه الاستخباراتيين والقانونيين من أنها فاعلة. وراجع ديفيد أدينغتون، رئيس مكتب موظفي نائب الرئيس تشيني مسودات القانون ولكن متحدثا باسم وكالة الاستخبارات القومية يقول ان أدينغتون لم يلعب دورا مهما في القرار النهائي.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»