باب الحارة

TT

استطاع «باب الحارة» الذي قدم خلال شهر رمضان عبر قناة «إم بي سي» أن يحظى بتقدير واسع من المشاهد العربي بصورة لم تبلغها غيره من المسلسلات، رغم الازدحام الفضائي بالكثير من الأعمال الدرامية، ولم يقتصر هذا التقدير على المشاهد العادي بل امتد إلى عدد من علماء الدين، الذين وجد بعضهم في هذا المسلسل إحياء للتراث والأصالة في مواجهة العولمة الغازية.

والحقيقة أن «باب الحارة» استطاع أن يكسر عددا من الثوابت الوهمية التي تورطت فيها الكثير من المسلسلات العربية باحتشامه والتزاماته الأخلاقية بعيدا عن التهريج ومواقف العشق المصطنعة التي تحشى بها المسلسلات العربية تكلفا، فلقد ضرب مخرج «باب الحارة» بسام الملا بكل هذه الأوهام جانبا ليقدم عملا ينسجم إلى حد كبير مع الخصائص النفسية والمكونات الاجتماعية للإنسان العربي، واستطاع أن يجعل من فريق المسلسل نجوما سيتذكرهم المشاهد العربي طويلا، وإن كانت شخصية عالم الدين أو «شيخ الحارة» في المسلسل ستظل تستقطب اهتمام الكثيرين، ومنهم من كتب عن هذه الشخصية في تسامحها، واعتدالها، وحكمتها، واتزانها، وتوازنها، والتفاف الناس حولها في عفوية وتلقائية تجسد صورة عالم الدين في إطارها الأمثل.

والحديث بهذا الإسهاب عن «باب الحارة» لا يعني بحال من الأحوال أن المسلسل سلم من النقد، فلقد ارتأى البعض أن المرأة في «باب الحارة» مهمشة، مضطهدة، ومستعبدة في ثقافة ذكورية طاغية، ولكن المسلسل باعتباره يمثل مرحلة تاريخية من تطور المجتمع السوري فإن المتلقي يمكن أن يتخيل أن المرأة في الحارة السورية الشعبية في سياق زمن المسلسل ربما لم تكن لها نفس الحقوق التي تحظى بها المرأة المعاصرة، وحتى احتجاج بعض المثقفين على غياب المثقف عن مجتمع الحارة، رغم وجود مختلف الشرائح الأخرى، فإن ذلك الاحتجاج لم يحدد مفهوما دقيقا للمثقف المطلوب وجوده، فثمة ثقافة اجتماعية سائدة لم تكن تفتقر إليها شخصيات المسلسل.. ومهما يكن أمر هذه الملاحظات فإنها لا تنفي تميز هذا العمل، الذي شد ملايين المشاهدين العرب إلى الشاشة الصغيرة من «المنامة» إلى «طنجة» لأن صناعه احترموا أولئك المشاهدين، وقدموا لهم عملا جادا يخاطب ذواتهم وقيمهم وثقافتهم.. فهل يقتدي بهم الآخرون؟

[email protected]