عودة مواطن بائد

TT

منصور خالد مثلث سوء الحظوظ: عربي وافريقي ويشتغل في السياسة. ومثل معظم العرب الافارقة الذين يشتغلون في السياسة، يكون مرة في اعالي السلطة ومرة في اباعد المنفى. ولكن منفى منصور خالد كان قريباً: في نيروبي الجميلة، حيث عثر وزير خارجية السودان السابق على موقع مع الأمم المتحدة، بصفته الشخصية لا بصفته الوطنية. لأنه من الناحية الوطنية كان ممنوعاً من مناصب البلاد ومناصب الأمم ايضاً. وكان غضب يحل على من يوظفه ومن يصافحه ومن يتذكر صداقته.

وقد ألفت على التقاء الدكتور منصور خالد في لندن وألفت ان اسأله عن نيروبي ولم أعد أساله عن الخرطوم لكي لا احرجه. ففي مرحلة لم يعد احد في الخرطوم ممن نعرف من اسماء: فريق في القاهرة وفريق في لندن او ضواحيها. فمثل جميع العواصم الافريقية والعربية التي نعمت بالانقلابات، اصبح كل مسؤول سابق مسؤولا بائدا. لا وجود له ولا مكان ولا سجل في قريته. لقد غرق كل شيء في طمي النيل. والذين اخرجوا ممنوعون من العودة لئلا يثيروا الدوائر على سطوح البحيرات المرة.

فوجئت مفاجأة حسنة وانا أقرأ ان منصور خالد عاد وزيراً للتجارة الخارجية. بل هما في الحقيقة مفاجأتان: الاولى عودة الرجل الى بلاده بإذن من السلطات العليا، والثانية ان في السودان وزارة للتجارة الخارجية. نحن في لبنان قسمنا الخارجية الى قسمين، احدهما للمغتربين. ومع وجود اكثر من 5 ملايين سوداني في الخارج، تركوا احد اغنى بلدان الارض بالثروات الطبيعية، اقترح متواضعا ان يتولى منصور خالد شؤون الاغتراب التي خبرها وعرف معانيها وادرك ما معنى ان تمنع الناس من العودة الى بيوتها لاسباب «سياسية». والسياسة في القارة العربية الافريقية هي ان تنقلب جماعة على اخرى وتحتل الاذاعة والتلفزيون ومن ثم تحتل الافئدة الى الأبد فيما يباد جميع من سبق بتهمة الخيانة العظمى: كيف حق لهم أن يكونوا من قبل.