خذوا الحكمة من العراق

TT

أثار العالم الأمريكي الحائز جائزة نوبل في علم الجينات، جيمس وتسن، ضجة كبرى في الميدان العلمي بنشره بحثا يفيد بأن جينات الأفريقيين تكشف عن تخلف في مستوى الذكاء وقصور في التفكير العقلاني. أثار القول اعتراضا كبيرا أدى الى إلغاء المحاضرات التي كانت قد نظمت له في بريطانيا ودفعت جامعته الأمريكية الى استدعائه فورا للولايات المتحدة، ربما خوفا عليه، وربما خوفا على سمعة أمريكا.

موضوع التفاوت في الذكاء والمواهب يرتبط بالعنصرية والإيمان بتفوق شعب على شعب وتبرير سلطان الرجل الأبيض على السود والملونين. كان بالضبط المبرر للرق واستعباد الأفارقة في القرون الوسطى.

وكما نتوقع، انبرى الكثيرون لدحض مقولته وتسفيه أفكاره. يقول المعارضون لهذه الفكرة العنصرية إن التفاوت بين شعب وشعب وفرد وفرد يعود الى التفاوت في الظروف والتربية والنشأة. اعط الأم الأفريقية السوداء تغذية وظروفا جيدة عند الحمل ثم خذ الطفل الذي تلده فورا، وربه في ظروف الأطفال البيض وستجد انه لا يختلف عقليا عن الطفل الأبيض.

هذا هو الرد التقليدي على المقولة العنصرية. بيد أنني لست من التقليديين. ولكن لي نظريتي في الموضوع. انظروا الى العراق والعراقيين. من المعروف أن العراقيين القدماء، أبناء سومر وأكد وبابل، وأجداد العراقيين الحاليين، كانوا أبرع من وجد على وجه الأرض في تفكيرهم العلمي والرياضي والاختراعي. لهم يعود الفضل في اختراع العجلة والدبابة، ونظم أول ملحمة شعرية (ملحمة غلغامش) واختراع الكتابة الصوتية ووضع أسس الرياضيات والفلك والقانون. يشير كل ذلك الى تميزهم بجينات ذكية ومواهب عقلانية وعلمية عالية. المفروض في الجينات أن تنتقل بالوراثة من الأبوين لأبنائهما. هذا هو أساس التفكير العنصري.

دعونا ننظر الآن ونفتش في العراق عن هؤلاء الأبناء، أبناء أولئك الأجداد الأفذاذ. اين هم؟ وما الذي حصل لهم؟ كل ما نراه في العراق الآن لا ينم إلا عن غباء فظيع وجنون مطبق وتخلف مريع. لقد قلت مرارا أن فرصة رائعة قد سنحت للعراقيين بعد سقوط صدام لبناء دولة زاهرة وفوتوا الفرصة بحماقاتهم.

كان قدماء العراقيين رواد البشرية في التحديث والابتكار والعصرنة والحداثة، وها هم أحفادهم الآن يجرون بلادهم للوراء والرجعة والعودة لقيم القرون الوسطى.

قاد العراقيون القدماء البشرية في عملية بناء الدولة. فعلى سهول سومر قامت أول دولة وظهر أول ملك وحد البلاد تحت عرشه ورايته وأقام دولة المؤسسات ووطد الأمن والسلام للجميع. انظروا الى العراقيين الأحفاد. يفعلون عكس ذلك تماما. يتهالكون ويتبارون في تمزيق دولتهم وتشريد شعبها وتفرقة سكانها وتقسيم أرضها.

كلا يا دكتور وتسن. لن اقتنع بنظريتك وإيمانك بالجينات. وها هم العراقيون يعطوننا أقوى دليل على بطلان فكرتك. وهذه ربما ستكون مساهمتهم الوحيدة لمسيرة العلوم المعاصرة.