سكان المخيمات بلا مخيمات

TT

يعيش أكثر من عشرين ألف فلسطيني خارج مخيمهم لأن نهر البارد بات مكانا مهدوما لا يمكن أن يأوي سكانه، حيث دمرته الحرب الأخيرة مع تنظيم فتح الإسلام الإرهابي. ولنا أن نتخيل هؤلاء النازحين كيف يعيشون في مخيمات مزدحمة، حيث يشارك اللاجئون الجدد اللاجئين القدامى بيوتهم وخبزهم وحياتهم القاسية. منظمة العفو الدولية تصف الوضع بأن «في مخيم برج البراجنة من السكان لكل متر مربع أكبر مما في هونج كونج أو بومباي». ففي لبنان ثلث مليون فلسطيني يعيشون أحوالا مزرية، وقوانين تحرمهم من الحياة خارج مخيماتهم، وهم فيها يولدون ويموتون. بعضهم لجأ إليها منذ هزيمة حرب 48، والبقية جاءت تباعا. وبعد ضغوط مكثفة سمحت السلطات اللبنانية لسكان المخيمات بأن يعملوا في محيطها في مهن قليلة، لكن تشهد منظمة العفو الدولية بأن القوانين الجديدة لم تفد كثيرا لأنها تشترط على الفلسطينيين أن يدفعوا مئات الدولارات حتى يحصلوا على تصريح بالعمل، وهو شرط تعجيزي.

ولا أحد يستطيع أن يلوم السلطات اللبنانية على عجزها بسبب الوضع السياسي المزري الذي تعيشه البلاد، وحالة اللاحرب واللاسلم بين الفرقاء السياسيين. إنما لا يمكن إخفاء خطورة الوضع الذي آل إليه حال الفلسطينيين في لبنان، خاصة أنهم يستغلون كورقة ضاغطة من بعض الأطراف. وقد شاعت مقولة بين السياسيين اللبنانيين إنهم ضد توطين الفلسطينيين من أجل تخويف المواطن اللبناني، زاعمة أن هناك مؤامرة لتوطينهم. وهو مشروع لم يقل به أحد قط. وهناك من يستخدم المسلحين كمرتزقة في الحرب الداخلية كما رأينا في التنظيمات الإرهابية الأخيرة.

الأمل الوحيد كان، ولا يزال، في إنجاح مفاوضات السلام التي تعد بأن تجعل التخلص من لاجئي فلسطين في لبنان على رأس قائمة الأحق بالعودة للذين يعيشون في المنافي. ويجب ألا يظن أحد أن خمسة ملايين فلسطيني سيسمح لهم بالعودة إلى أرضهم الأصلية، لأن الإسرائيليين سيرفضون ذلك، كما أن فلسطينيي الداخل لا يريدونه أيضا لأسباب مرتبطة بالمكان والموارد، وبالتالي لا نتوقع أن يعود ما يزيد عن ثلث مليون فلسطيني فقط.

وتلام الدول الكبرى على تجاهل هؤلاء اللاجئين على مدى العقود الماضية، بعدم منحهم فرصة الهجرة إلى الخارج، كما سمحت لملايين اللاجئين من أفريقيا وآسيا في السنين الماضية. لو فعلت لبقي عدد محدود من الفلسطينيين يمكن لمنظمات الغوث الدولية تدبر أمر معيشتهم، وستخفف الضغط على الدولة اللبنانية. أما اليوم فان الأبواب مغلقة على أبواب المخيمات، حيث يمنع عليهم العمل، ويحرمون من التنقل، وتعينهم فقط بخبز اليوم نفسه. لهذا انتشرت بينهم الأصولية المتطرفة، مثلما غزتهم من قبل التنظيمات اليسارية المتطرفة.

[email protected]