أكراد، أرمن، أتراك، أميركيون

TT

الاقليات والمضطهدون اقوام بالغو الحساسية. فالأفراح لا تعيش طويلا في الذاكرة البشرية بينما الآلام لا تموت. والنكران لا ينفع ولا يغير شيئاً. انه يمنح الفاعل نسياناً موقتاً لكنه يزيد الضحية تمسكاً بشعور الاضطهاد وطلب التكفير. واقصى حالات التكفير هي الاعتذار المعنوي والتعويض المادي. وكلاهما تافه او وضيع. فلا اعتذار يبدد مشاعر الألم الكبرى حيال الهمجية البشرية ولا تعويض يعوَّض لحظة ألم او ذل او مهانة. لقد فرض الالمان النازيون على الفرنسيين الاحرار ان ينظفوا ساحات المدن بفرشاة اسنان. وكان المارة من فرنسيين متعاونين (عملاء) يسخرون من اهلهم فرحين. لن ينسى الفرنسيون، لا المحتل ولا العميل.

ارتكبت الامبراطوريات في توسعها همجيات كثيرة. وقد قام معظمها في عصور همجية، في اي حال. ومن الصعب ان نحدد من كان اكثر همجية من الآخر: الاسبان في المكسيك؟ البيض في اميركا؟ هولاكو في الشرق؟ الالمان في بولندا؟ الطيران البريطاني في درسدن؟ الروس في برلين؟ الانكليز في الهند؟ الفرنسيون في الجزائر؟ الاميركيون في الفيتنام؟

التاريخ مليء بالبقع الكبرى. مفروش بالمقابر الجماعية والمعتقلات الجماعية والمجاعات الكبرى واشكال الظلم والتعذيب التي لا نهاية لها. لا المحتل كان رؤوفاً ولا الثأر الوطني كان رحيماً. ما دخلت امة على امة الا وتركت الانسان خلفها. التاريخ القديم والتاريخ المعاصر هما تاريخ سبي وتهجير وابادة واغتصاب. لقد رمى الاميركيون اليابانيين بقنبلة الفناء والمرض والتشوه. وكان اليابانيون قد عبروا المحيط الهادي وغافلوهم وقتلوهم وهم نيام. وخرج اليابانيون الامبراطوريون على الصينيين والكوريين يؤدبونهم بالسيوف، على انهم عرق دوني لا يستحق ان يحكم نفسه ويتمتع بالحرية الانسانية وكرامة الذات. وجاء الاسرائيليون من روسيا واميركا وبولندا بحثاً عن «وطنهم القومي» في فلسطين، مع ان منشئ الحركة الصهيونية كان يريد لهم في البداية ارضاً في البرازيل او اوغندا او ربما كياناً في النمسا، لانه كان يقول ان لا علاقة له بالدين الا «بقايا ذكريات من اهله الحبريين». الا انه سوف يؤسس في النهاية لأفظع عملية اقتلاع في التاريخ. ويتحول قادة «الليبرالية» و«الاشتراكية» الاوروبية الى عوفادا يوسف واسحق شامير وارييل شارون، الذي عاش حياته يقاتل داخل وخارج ارض فلسطين، من سيناء القليلة الواحات الى بيروت المكتظة بالسكان والاطفال وصبرا وشاتيلا.

خلف تفكك الامبراطورية العثمانية وراءه قضايا ومآسيَ كثيرة. هزيمتها ادت الى قيام اسرائيل. وانحسارها ادى الى مجزرة الارمن والى بقاء الاكراد من دون دولة. هذا طبعاً اذا اردنا ان نحصر الأمر فقط في المسألتين المطروحتين الآن: الارمن والاكراد.

الى اللقاء