مؤتمر الخريف: الانقسام الفلسطيني والتحديات

TT

يعتصر الألم القلب عندما نرى الشعب الفلسطيني وقد انقسم إلى فسطاطين، أحدهما في غزة بقيادة حركة حماس والمتعاطفين معها، والآخر في الضفة الغربية بقيادة حركة فتح والمتعاطفين معها، هذا التقسيم حذر منه كثير من الخبراء السياسيين، لكن المعضلة أن التقسيم حصل وقد لعبت إسرائيل لعبتها ببراعة عندما نجحت سياسيا في إدارته، بعد خلق هذه الفجوة بين حركتي فتح وحماس وهي في الواقع فجوة بين أبناء الشعب الفلسطيني، وكان المشهد الأدهى والأمر عندما رفع الفلسطينيون السلاح وقاتل بعضهم بعضاً. ورغم المحاولات العربية لرأب الصدع وتهدئة الوضع والعودة بالطرفين إلى طاولة المفاوضات، فقد بقي التوتر سائداً، خاصة أن أيادي إسرائيلية وربما أمريكية تتحرك في الخفاء وراء الستار لتؤجج الصراع وليتم عزل حركة حماس في سجن كبير في قطاع غزة.

واليوم وبعد أن نادت أميركا بالاجتماع لمؤتمر دولي في أميركا (مؤتمر الخريف في أنابوليس بولاية ماريلاند) ينتظر الشعب الفلسطيني ومعه العالم ما سيسفر عنه هذا المؤتمر الذي نتمنى أن لا يكون كالمؤتمرات السابقة، خاصة أن الظروف الإقليمية والدولية مختلفة تماماً، والوضع السياسي في كل من فلسطين وإسرائيل مختلف أيضاً، والوضع في الشرق الأوسط لا يحتمل الاستمرار في الصراع بين العرب وإسرائيل. ما نتمناه أن يكون لهذا المؤتمر الدولي دور في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة أنه يقف على أرضية مبادرة السلام العربية التي تعد أجرأ مبادرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. لكن المشكلة من وجهة نظري والتي ستكون بمثابة عائق في التفاوض بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل تتمثل في انقسام الشعب الفلسطيني نفسه، ومن هنا ينبغي على حركة حماس وحركة فتح وضع اليد في اليد ومناقشة ما سيدور في المفاوضات رغم الاختلاف في الرؤى، فالحالة التي نراها أمامنا في التمثيل التفاوضي من الجانب الفلسطيني أحادية ومن جانب واحد، في ظل الانقسام الذي نراه، فكيف سيفاوض الفلسطينيون ويدافعون عن حقوقهم دبلوماسياً وهم منقسمون، من هنا ينبغي استغلال الوقت المتبقي لوضع اليد في اليد والوقوف ككتلة واحدة للدخول إلى هذا المؤتمر الدولي برؤية وشروط واحدة، وعلى الدول العربية ممثلة في الجامعة العربية أن تلعب دور الوسيط في تشجيع التصالح بين فتح وحماس ودفعهم إلى ترجيح المصلحة العامة على المصالح الشخصية من أجل الشعب الفلسطيني رغم حالة التشنج والصراع التي يعيشونها، ليكون التمثيل لكافة الألوان السياسية الفلسطينية ولكي لا يكون لإسرائيل ذريعة لرمي الكرة في الملعب الفلسطيني.

واللافت للنظر أن مؤتمر الخريف المنتظر يلقى اهتماماً كبيراً من أميركا ولم يجد أي معارضة من إسرائيل، فإذا اعتبرنا أن جورج بوش ينوي توجيه ضربة عسكرية لإيران قبل نهاية فترته الرئاسية، يمكننا القول بأن هذا المؤتمر من شأنه أن يلعب دوراً في هذه الحرب رغم أنه يركز على الصراع العربي الفلسطيني، ويمكن القول بأن هذا المؤتمر ليس سوى حقنة مهدئة لمدة ستة أشهر للصراع العربي الإسرائيلي لتهدئة الأجواء وتمهيد الطريق لضربة عسكرية ثنائية إسرائيلية أمريكية لإيران، والدليل على هذا الطرح أن إيران تعارض هذا المؤتمر، وقد نصحت الدول العربية بعدم المشاركة فيه، بل وشككت في نواياه، فيما يظهر الاهتمام الأمريكي جلياً في جولة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس الشرق أوسطية التي استهلتها بمباحثات مع المسئولين الإسرائيليين سميت بجولة للإعداد لمؤتمر الخريف، كما أن اجتماع رايس بوزير الدفاع الإسرائيلي «إيهود باراك» يثير شكوكاً حول النوايا الإسرائيلية، بل ويمكن اعتباره خطأ ارتكبته رايس عندما التقت بوزير الدفاع مما قد يزيد من الشكوك حول نوايا الزيارة. كما أن إسرائيل بدأت بالتحضير لهذا المؤتمر بتعيين وزيرة الخارجية «تسيبي ليفني» لقيادة فريق التفاوض مع الفلسطينيين، علماً أن ليفني تمثل صقور حزب كاديما (أسسه أرييل شارون) المعروف بالتشدد في التعامل مع القضايا الفلسطينية ويضع في أجندته بقاء القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. ثم إن الموافقة على مؤتمر كهذا يعد تحولاً غريباً في السياسة الإسرائيلية التي دائماً ما تعرقل التفاوض، لكن وبالرغم من الموافقة على التفاوض فتسيبي ليفني ترفض طرح القضايا المحورية للتفاوض كمسألة القدس واللاجئين، ولعل هذا ما جعل رايس تدعو إلى عدم التفاؤل. ما نتمناه هو أن تكون نوايا هذا المؤتمر صادقة ولا يكون كغيره خدعة جديدة في دهاليز السياسة الأميركية والإسرائيلية.

* كاتب مغربي

[email protected]