الكبيسي.. العالم الذي أنجاه الله من السياسة

TT

حسنا أن ينشغل الشيخ أحمد الكبيسي بمحاضراته اليومية، وبرامجه التلفزيونية، وأن لا يتوقف هاتفه عن الفتوى ـ كما ذكرت صحيفة «الشرق الأوسط» بتاريخ 25/10/2007 ـ فذلك ما تعودنا عليه من شيخنا الجليل، فهذا ميدانه وساحته ومضماره، بعد أن كادت السياسة تخطفه إلى عالمها الذي هو غير عالمه، وملعبها الذي لم يألفه.. وكم كنت سعيدا حينما أعلن الشيخ انسحابه نهائيا من عالم السياسة عبر حلقة بثتها قناة «العربية» بتاريخ 8/9/2004 من خلال البرنامج الناجح «إضاءات»، الذي يقدمه الزميل تركي الدخيل، فالشيخ كما يقر لم يخلق سياسيا، ولا يحب السياسة، ولا يجيدها.

وإعلان الكبيسي انسحابه من السياسة يمثل أصدق القرارات مع النفس، فالشيخ الذي عاد إلى العراق من الخارج خلال الأيام الأولى من الاحتلال بعد غياب امتد نحو خمس سنوات، أوشك أن يغرق بكليته في لعبة السياسة، حتى أنه دخل في لعبة تصريحاتها التي هي ليست في سياق خبراته، فلم يحالفه التوفيق فيها كما اعتاد أن يحالفه في محاضراته الدينية، وبرامجه التلفزيونية، خاصة حينما ارتأى أن الشتات الذي يعيشه العراق منذ الاحتلال يمكن أن يلتقي ببساطة حول رجل واحد يكون قاسما مشتركا بين كل العراقيين، فذلك ما أثبتت الأيام صعوبته، حتى ولو كان هذا الرجل في مكان شيخنا الجليل ومكانته.

واقتطف من لقاء أجرته معه صحيفة «الشرق الأوسط» بتاريخ 6/5/2003 نماذج من التصريحات المنسوبة إليه: «أحمد الكبيسي يغطي كل المساحة من حيث أنه قاسم مشترك بين العراقيين»، وقوله: «عندما سُئل غارنر ـ رئيس الإدارة المدنية في العراق عن سبب رغبته في لقائي قال هذه الشخصية يبدو أنها مهمة، فعندما أسأل عنه أجد مختلف الفئات تقول عنه He is a good man وإنه يريد التعرف على هذه الشخصية التي تقبل القسمة على مختلف الفئات العراقية».. وفي مواجهة سؤال مع محاوره ـ في نفس اللقاء ـ عن المعقول والمقبول من مطالب أمريكا بخصوص النفط، الذي يقال إن الولايات المتحدة جاءت للسيطرة عليه، رد الشيخ بلغة يقينية قائلا: «يا أخي، لعلمك مستحيل أن تكون أمريكا قد جاءت من أجل النفط، كلكم أنتم الصحافيون والإذاعيون ترتكبون هذا الخطأ، النفط خامة لا قيمة لها إلا إذا توفر لها سوق ومشترٍ، والنفط لا يشتريه إلا الغني ومن أغنى من أمريكا ليشتري هذا النفط؟»، ومشيرا إلى أن لدى أمريكا من النفط ما يغنيها عن نفط العراق!

وأنا أحمد الله أن عاد إلينا عالمنا الجليل سالما من غياهب السياسة التي لم يخلق لها ولم تخلق له، رغم سلامة نواياه وغاياته في اقتحامها، فنحن أكثر حاجة إليه كعالم ومرشد وموجه من حاجتنا إليه كسياسي.. ولقامة شيخنا العلمية الشاهقة أصدق التقدير.

[email protected]