بلد اللحظات الأخيرة

TT

اختصر عمرو موسى الصورة بالقول «إن العالم العربي خائف جدا على لبنان»، وفي القاهرة قال وزيرا الخارجية المصرية والبريطانية «إن العالم كله قلق جدا على لبنان». وهناك أكثرية ساحقة من اللبنانيين خائفة على أمنها ومصيرها وأرضها.

وهناك من هو غير خائف، أو لا يعنيه الأمر، أو قد يفرحه غرق لبنان مرة أخرى في لجة الدم والبارود.

رئاسة الجمهورية ليست سوى ذريعة لإلغاء لبنان كما عرفناه. والبلد، كما يقول المفكر السياسي أحمد بيضون، في حرب أهلية باردة، لا يريد أحد إعلانها. لكن القضية في هذه اللحظات أنها قد تتحول من البرودة الخبيثة الى الجنون المعلن.

الحرب الأهلية الماضية كانت مدافعها عالية وصوتها منخفض. ولذلك أعيد ترتيب البلد بعد انتهائها. أما الآن فالحرب مدافعها مخفية وصوتها مدو. والعالم العربي ومعه العالم خائفان على لبنان لأنهما خائفان على العالم العربي. فالانفجار هذه المرة لن يبقى داخل حدود لبنان. «والحرب الأهلية الباردة» هي في الحقيقة حرب عربية باردة. وحرب دولية باردة. وهي حرب الخوف من لبنان والخوف عليه. وكلاهما هائل. الوحيد الذي ليس خائفا هو فريق السياسيين اللبنانيين الذين اعتادوا الحروب وحصدوا حصادها ولا يزال بقية من حصاد. هؤلاء يدركون أنهم لا يزدهرون إلا في الحرب ولا يتزعمون إلا بها. وهؤلاء لا مكان لأحد سواهم ولا أهمية لأحد غيرهم. ولا يعني لبنان شيئا لهم ولا العرب ولا الدنيا. لذلك كانت جميع المحاولات الدولية فاشلة قبل أن تبدأ. وكان الحوار حوار نوايا مبيتة وخنادق مفتوحة. والدليل أن كل حوار تم كان حول الأسماء لا حول القضايا ولا حول المصير. وربط كل محاور مصير لبنان بمصيره وموقعه. ولم يتم البحث عن المرشح المقبول أكثر من سواه، بل عن المرشح المرفوض أقل من غيره. وتم البحث عن «المرشح التوافقي» بأصوات عالية وقدائح وشتائم وتهديدات. وخلال البحث عن التوافق سادت في البلد لغة لم يألفها أحد من قبل إلا على جدران الحرب الأهلية، حين كانت البيانات تكتب باسم «أبو الموت» و«أبو الجماجم». وربما كانت تلك أقل حدة.

على لبنان، كالعادة، أن يدفع جميع الأثمان وأن يحارب جميع الحروب وأن يخرب جميع الخراب: حرب إيران وأميركا وحرب أميركا وسورية وحرب إسرائيل والفلسطينيين وجميع حروب المواقع في الشرق الأوسط. ولذلك إذا تفجر الوضع فلن يبقى التفجير في الساحة اللبنانية، بل سوف ينطلق منها الجميع الى عموم الساحات الممكنة والمحتملة.

ويبقى طبعا احتمال اللحظات الأخيرة. وفي الماضي كان له حظ في الوقوع. لكن هذه المرة تبدو جميع الحظوظ لاغية أو غير كافية، والاحتمال الوحيد هو الاحتمال السيئ، والشديد الرداءة. بلد يهرع اليه العالم ويهرع هو الى الخارج. والذين أحرقوه من قبل يخفون تحت أكمامهم عود ثقاب قديم.