قصة دولار.. فقط؟

TT

اجتماع «أوبك« الأخير في الرياض شكل مناسبة متجددة لطرح بعض دول المنظمة تسعير النفط الخام بغير العملة الأميركية أو اعتماد «سلة عملات« تقي عائداتها النفطية، نسبيا، من انخفاض القيمة الشرائية للدولار الأميركي.

لا جدال في ان القلق من انخفاض سعر صرف الدولار أصبح مبررا بعد ان تراجع سعره، منذ أغسطس الماضي، بنسبة 4 في المائة مقابل اليورو ليقارب الـ1.50 دولار لليورو. والواقع انه لولا عمليات الشراء الدورية للدولار الأميركي من جانب بنوك الدول النامية المركزية لانحدر سعره إلى مستويات أدنى.

ولا جدال أيضا في أن الدول المنتجة للنفط تتأثر أكثر من غيرها بالدولار الضعيف كونها أسرع الجهات تكوينا لاحتياطي واسع من العملات الأجنبية، فمنذ العام 1998 ارتفع دخلها من صادرات النفط الخام خمسة أضعاف ليبلغ نحو 658 مليار دولار (صحيفة «فايننشال تايمز« البريطانية، 19/11/2007). وذلك يعني انه يكفي ان تساور اسواق المال «ظنون« بأن دول «أوبك« قد تتخلى عن الدولار في تسعير نفطها ليشهد سعره المزيد من الانهيار.

ترجمة هذا الواقع المالي الى معطى سياسي تسمح بالاستنتاج أن الدول المنتجة للنفط تملك «أوراق ضغوط» على الولايات المتحدة تفوق ما تملكه من أوراق العملة الاميركية. ومما يزيد من فعالية «اوراق الضغوط» هذه ان القلق من ضعف الدولار لم يعد مقتصرا على دول «أوبك» بعد ان بدأت الصين، وغيرها من دول الاقتصاد النامي، بالاحتفاظ بنسبة أقل من السابق من فوائضها المالية بالعملة الاميركية.

واللافت أميركيا ان انخفاض قيمة الدولار يقابله ارتفاع سعر خام « «تكساس» (النفط المرجعي للولايات المتحدة) بنسبة 25 في المائة. وإذا كان المنطق الاقتصادي يفترض ان يفاقم غلاء النفط الضغوط المعيشية على المستهلك الأميركي فان ما يستتبعه من تقليص للإنفاق الاستهلاكي من شأنه ان ينعكس سلبا على أرباح الشركات واستطرادا على فرص الاستثمار. ورغم ان الدولار الرخيص يعزز الصادرات الأميركية فان من الصعب، في ظل ناتج قومي اجمالي يبلغ 12 في المائة فقط، أن تعوض هذه الصادرات تدني الإنفاق الاستهلاكي الذي يستأثر بـ70 في المائة من هذا الناتج.

مع ذلك يبدو مستبعدا ان تقدم دول «أوبك»، استنادا الى مصالحها الذاتية، على التخلي عن الدولار، فأي قرار من هذا النوع يلحق الضرر بقيمة موجوداتها المعتمدة على الدولار ويخفض السعر الفعلي لنفطها.

ولكن السؤال يبقى: إلى متى «تتغاضى» الإدارة الجمهورية في واشنطن عن تآكل هيبة عملتها والدولار كان، ولا يزال، جزءا لا يتجزأ من «عظمة» الدولة الأعظم في العالم؟

ربما يبالغ بعض الاقتصاديين في تقويم اهمية الولايات المتحدة كمحرك للنمو الاقتصادي في العالم، فمنذ العام 2000 تراجعت حصتها من المستوردات العالمية من 19 في المائة الى 14 في المائة، فيما ينخفض باطراد العجز الضخم في حسابها الجاري، ما يعني انها لم تعد «القاطرة» الوحيدة لاقتصادات العالم.

وغير خاف انه منذ بداية الألفية الثانية تسارعت وتيرة النمو في العديد من دول العالم النامي ـ خصوصا الصين والهند ـ وذلك، بالدرجة الأولى، بفضل تنامي حركة الطلب في اسواقها الداخلية. واستنادا الى مجلة «ايكونوميست» البريطانية (عدد 17/11/2007) تظهر إحصاءات الإنفاق الاستهلاكي في الهند والصين، خلال النصف الأول من العام الحالي، انه ساهم أكثر من الإنفاق الأميركي في تعزيز الناتج العام الإجمالي في العالم.

«تبرجوز» العالم النامي قد لا يكون في صالح «عظمة» الولايات المتحدة على المدى البعيد. وإذا ما تساءلت الدول النامية جديا عن جدوى احتفاظها بعملة تتآكل قيمتها باطراد وبدأت بتنويع سلة هذه العملات، وإذا تساءل المستثمرون الدوليون ايضا عن المردود النهائي لتوظيفاتهم في الولايات المتحدة وأعادوا توزيع وجهة هذه الاستثمارات، فقد تصل الولايات المتحدة يوما الى وضع أشبه ما يكون بوضع الاتحاد السوفياتي السابق: وضع المارد العسكري... والقزم الاقتصادي.

غني عن التذكير أن استحالة جمع هذين النقيضين على سطح واحد كانت السبب الأبرز في انهيار الامبراطورية السوفياتية.