بعد فشل أنابوليس!

TT

قلة هم المتفائلون بنتائج مؤتمر أنابوليس للسلام، وذلك لأسباب عدة. أهمها أنه لم يعد هناك ثقة كبيرة بالراعي الوحيد للعملية ـ أي الولايات المتحدة الأمريكية ـ فهي منحازة لإسرائيل أكثر من إسرائيل نفسها، وليس في ذلك مبالغة، فالإسرائيليون هم المستفيد الأول من السلام، وهم ـ وليست أمريكا ـ الذين يعانون من حصار استمرار حالة العداء مع محيطهم العربي والإسلامي.

وثاني أسباب التشاؤم أن المراقب المنصف لا يرى معطيات جديدة لتحول دراماتيكي في الموقف الأمريكي، فالحال هي الحال، والاحتلال هو الاحتلال، والظلم هو نفسه على الشعب الفلسطيني لم يتغير منذ أكثر من ستين عاما. وقبل هذا المؤتمر عقدت مؤتمرات: فمن مدريد إلى أوسلو وواي بلانتيشن، وكامب ديفيد، ولقاءات شرم الشيخ وغيرها، كلها عادت بالقضية إلى نقطة الصفر.

المدمنون للتشاؤم يرون أن هذا المؤتمر ما هو إلا لتهدئة الجبهة العربية ـ الإسرائيلية لتسخين الجبهة الأمريكية ـ الإيرانية، وبأن هذا المؤتمر قد يخرج بنتائج إعلامية مؤقتة تمهد الطريق لضرب المفاعل النووي الإيراني، لا أكثر ولا أقل.

ولكن السؤال: ثم ماذا؟ ماذا لو خرج المجتمعون حقا من المؤتمر «بلا حمص», واستمرت حالة القهر المستمرة للإنسان الفلسطيني, فما هي الخطة البديلة؟

لي صديق يحلم كثيرا في النهار وهو يمشي، وقال بأن لا بديل عن مطالبة الفلسطينيين بالانضمام إلى دولة إسرائيل كمواطنين لها يعيشون في «كنف» احتلالها لأكثر من ستين عاما بالنسبة لعرب الداخل، وأربعين عاما بالنسبة للضفة. وماذا عن فلسطين؟ قال: لا داعي لفلسطين لأنها تسمية رومانية أصلا، والأقرب أن نطالب بتسمية هذه الأرض إسرائيل، فهذا الاسم أحد أسماء سيدنا يعقوب وتنتهي المشكلة. تقصد أن الفلسطيني يصبح إسرائيليا أجاب بسرعة: أحسن له أن ينسب إلى أحد الأنبياء من أن ينسب الفلسطيني العربي إلى قبيلة رومانية قديمة!

يا سلام! بهذه البساطة تنتهي المشكلة؟ لا، أجاب، فهذه البداية للنضال من خلال الخطة البديلة، وهي المطالبة بكافة حقوق المواطنة والمساواة بين العرب واليهود، وبين المسلمين والمسيحيين، والمشاركة في صنع القرار والانتخاب والتصويت، وحتما ستكون الغلبة للفلسطينيين.

«شلون؟»، سأل آخر، فقال: معدلات المواليد وزيادة عدد السكان العرب أكبر بكثير منها بين اليهود الذين لا يتوالدون كثيرا، وسيأتي اليوم الذي يفوق عدد العرب فيه عدد اليهود بكثير، وبالانتخاب والتصويت، يمكن للعرب أن يسيطروا على الكنيست والحكومة في آن واحد. استراتيجية سلاح «التناسل» العربي على السلاح النووي الإسرائيلي، كما يردد الفلسطينيون أنفسهم.

وهل تظن أن الصهيونية ستسمح لهم بذلك؟

طبعا لا، ولكن النضال الفلسطيني بالمطالبة بالمساواة والحقوق والعدالة والمشاركة السلمية في صنع القرار ومنع التمييز العنصري ضدهم وعزل مجتمعهم بالجدار ومصادرة أراضيهم بالقوة ستبدو أكثر قبولا للعالم، وسيكون نضالهم السلمي بالمقاومة السلمية التي ترفع شعارات حقوق الإنسان الدولية أكثر قبولا للمجتمع الدولي ولمحبي السلام في العالم.

هذا استهتار بالنضال والتضحيات التي قدمها العرب والفلسطينيون طيلة هذه العقود، تأتي «حضرتك» وتشطبها بفذلكات «تافهة» مثل هذا الكلام؟

تمسك صاحبي برأيه: ما هو البديل للإنسان الفلسطيني؟ لا يوجد قرار حرب، ولا توجد عملية سلام، والأرض تصادر يوميا، والناس تعاني جيلا بعد جيل، وأصبحت القضية مزادا وسوقا للتكسب السياسي ـ من طهران إلى دمشق ولبنان، بل وحتى الكسب الشخصي، وما اقترحه هو النضال الحقيقي الذي سيورط إسرائيل، وسيحرج كل دعاة حقوق الإنسان في العالم، ويسحب البساط تحت الدعاوى الصهيونية بأن العرب ومحمود أحمدي نجاد يريدون القضاء على اليهود ودولة إسرائيل.

صاحبي هذا حالم، وتحقيق حلمه أقرب إلى المستحيل، ولكن الأكثر استحالة منه، هو تفسير وشرح هذا الحلم «لحماس»!