مستشفى الولادة السياسي

TT

لعب اليانصيب أهون من انتظار نتائج انتخابات الرئاسة اللبنانية، التي لا يدري أحد، بمن فيهم صناع القرار المحليين والخارجيين، كيف سيكون مولودها الموعود.

وفوضى الاختيار والانتظار تضرب في اطناب باكستان هي الأخرى، حيث لا ندري من سيكون رئيس وزراء، على اعتبار ان الرئيس قرر ان يبقى رئيسا للجمهورية. واستمرت الاسئلة مع استمرار باكستان في العتمة حول حالة الطوارئ، ومن سيعود الى المنفى؟

فوضى باكستان تلت العراق، الذي عاش اشهرا من الاشاعات عن رحيل نوري المالكي من رئاسة وزراء العراق، وفتحت بورصة التكهنات حول خليفته.

انتظار قاتل يسبب الفوضى ويزيد من التقاتل، ويدفعنا الى الاعتراف بأن ليس هناك افضل من النموذج الاردني، لأنه مريح للنفس. فقد اصبحنا الصباح وسمعنا ان نادر الذهبي صار رئيسا للوزراء، والأرجح اننا عندما نصبح صباح اليوم سنسمع اسماء حكومة من 27 وزيرا. لم يرهق الاردنيون بمعارك الرئاسة والوزارات، ولم تعطل المصالح، ولم تقلق الامهات على اطفالهن في المدارس، والسياح على حجوزات فنادقهم، بل ان رئيس الوزراء الجديد هون من الأمر حتى على المتزلفين، وطلب منهم ألا يرسلوا ورودا، ولا ينشروا اعلانات تهاني في الصحف، واقترح عليهم ان يحولوا اموالهم لصالح الجمعيات الخيرية.

حالة الولادة مستعصية في لبنان، تجاوزت موعدها منذ ثلاثة ايام، ومرشحة لأن تستمر حتى بعد اختيار او انتخاب رئيس للجمهورية. وحتى لو حدثت معجزة واتفق عليه سيليه مخاض رئاسة الوزراء، ثم استيلاد المناصب الوزارية، لتستمر الآهات في مستشفى الولادة السياسي اللبناني.

الاختيار دائما أصعب من التعيين، من دون ان يعني ان الثاني هو الأفضل وليس بالضرورة الأكثر عدلا أو تمثيلا. والعلة ليست في فكرة التمثيل السياسي، كما هو الحال في لبنان او باكستان، بل في الممارسة. فالرئيس عمليا لا يختاره اللبنانيون، بل يقر من خلال آلية اقرب ما تكون الى زمن اثينا، خمسمائة قبل الميلاد. حينها كانت النخبة تختار ممثلي الشعب في ديموقراطية جزئية فوقية.

البرلمانيون في لبنان يتم اختيارهم من قبل الناس، المقسمين وفق دوائر جغرافية لصالح فريق ضد آخر. مع هذا لا يستطيع احد ان يقول ان الانتخابات النيابية اللبنانية غير عادلة لأنها تعمل وفق النص المكتوب، وتنتج المتوقع منها. وتبقى مشكلة البرلمانيين، ممثلي الشعب، انهم لا يمنحوا فرصة ممارسة العمل. فالبرلمان ظل معطلا لأشهر، والقرارات الرئيسية التي تمس حياة الناس تقرر خارجه بالتوافق او بالمصادرة المباشرة.

وبالتالي صار الانتخاب آلية للتعطيل المتكرر والتقاتل الممنهج، مما يثبت مرة ثانية ان فرض الديموقراطية من فوق، او استنساخها من الخارج، لا يميزها عن الممارسة الديكتاتورية. فقد اثبتت تجربة باكستان، بتدخل العسكر، او العراق بالعشائرية والطائفية، او لبنان بالعمل نيابة عن قوى الخارج، ان الديموقراطية تحتاج إلى ان تنبت من الأرض، وتبدأ من الصفر، وتصبح ثقافة الناس لا النخبة.

[email protected]