ما لكم لكم.. وما للناس للناس

TT

هناك الكثير من الناس الذين يخلطون، أو بمعنى اصح (يلتبس) عليهم الفرق بين أخذ تعهد أو تأمين لتطبيق النظام، وبين عدم ثقة بالأمانة، هذا شيء وذاك شيء آخر مختلف جداً.

لهذا يغضب بعض الناس إذا طلب منه إيصالاً بأنه اخذ شيئاً، أو انه لابد أن يفعل شيئاً، أو ما يثبت انه فعل ذلك الشيء، مع أن هذه الأمور مشروعة بل ومطلوبة ولازمة تماماً، لحفظ الحقوق، مهما كان ذلك الشخص المطلوب منه أميناً وورعاً ومسؤولاً وصديقاً وقريباً، لان النسيان وارد في كل الأزمان، وتغيير الظروف والأمزجة والأفكار والخصومات والمطامع واردة كذلك في كل الأزمان.

كما أن (الموت) ـ وهذا هو الأهم ـ وارد في كل لحظة، فعلام الحساسية والزعل، وما ينطبق عليك هو أيضاً ينطبق على غيرك، وهذا القانون (العاقل العادل) إنما هو يحفظ حقوق الآخرين عندك، مثلما يحفظ حقوقك أنت عند الآخرين.

ويروي احدهم هذا الموقف الذي حصل له في أمريكا ويقول:

في ليلة عاصفة كنت وزميلي عائدين من الجامعة إلى المنزل، فنفد الوقود من سيارتنا، وبعد الانتظار في الثلج والصقيع دقائق بدت كأنها دهر، أوصلنا احدهم إلى محطة الوقود، وهناك روينا محنتنا وطلبنا قارورة بنزين، وفيما نحن ندفع الثمن قال المسؤول: عليكما دفع دولارين إضافيين تأميناً للقارورة الفارغة.

اغتظنا جداً لطلبه التافه هذا، ولعدم ثقته كذلك بنا، ودفعنا له المبلغ المطلوب، وتوجهنا نحو الباب، ونحن نحسب ألف حساب للعودة سيراً إلى حيث توقفت سيارتنا.

غير أننا فوجئنا بالمسؤول نفسه يبرز رأسه من الباب ويقول لنا بلهجة غاضبة: كيف تجرأتما على الخروج في طقس خطير كهذا؟! وقذف لنا بمفتاح سيارته قائلاً: اذهبا بها وأعيداها.

نستخلص من هذا الموقف: أن ما يخصك، فأنت (حر) فيه، غير أن ما أنت (مؤتمن) عليه لا يحق لك أن تتصرف به إلاّ في حدود ما يسمح لك به النظام.

فسيارة مسؤول المحطة قد يزيد سعرها عن سعر قارورة البنزين ألف مرة، ومع ذلك فقد ائتمنهما عليها، وقدمها لهما لكي يذهبا بها ثم يعيداها بدون أن يأخذ عليهما لا ورقة ولا تأميناً، وهو حر بذلك، وعاقبته هو الذي يتحملها وحده، غير أن (القارورة) ليست ملكاً له، ويجب أن يسري عليها النظام المتبع بالمحطة.

وما أكثر الناس (الأمناء الشرفاء) الذين لو حاولت أن يتساهل الواحد منهم معك حتى لو أن شاء الله (بحبّة خردل)، وتلك الحبة هي للحق العام، فلن تجده إلاّ سداً منيعاً لا ينفذ منه حتى الرصاص.

في حين خارج ذلك، لو انك طلبت منه (ماء عيونه) وقوت يومه، وقميصه الذي على كتفه، لأعطاك إياها بدون تردد ولا منة.

فتفهموا يرحمكم الله: ما لكم لكم، وما للناس للناس.

ولي (فقط) تدبيج الكلمات.

[email protected]