«قراقوش»

TT

ليس فينا من لم يردد ساخرا اسم «قراقوش»، رغم معرفة جلنا بأنه كان عادلا وعظيما، بل ودعامة من دعامات الدولة الأيوبية، فهو الذي بنى سور القاهرة، وقلعة صلاح الدين، والقناطر، لكن «قراقوش» ابتلي بأديب طويل اللسان ماكر البيان، هو «الأسعد بن مهذب ابن مماتي»، الرجل الذي جمع النظارة في عهد صلاح الدين الأيوبي على ديواني الجيش والمال، ولم تشغله المناصب عن التأليف، فكتب عشرات الكتب في فنون متعددة، ورغم ذلك لم يبق منها في أذهان الناس سوى أقلها قيمة، وأضعفها حجة، وهو كتاب «الفاشوش في حكم قراقوش»، و«الفاشوش» الذي لا قيمة له، أما اسم «قراقوش» بالتركية فتعني النسر الأسود.

وقد أراد ابن مماتي أن ينتقم من مجايله في السلطة قراقوش بن عبد الله الأسدي الملقب ببهاء الدين، الساعد الأيمن للقائد العظيم صلاح الدين الأيوبي، مشاركا ـ كما يقال ـ في لعبة سياسية بين أبناء صلاح الدين للنيل من شخصية قراقوش، ورغم إنصاف عدد من الباحثين لـ«قراقوش»، أمثال صالح بن محمد الجاسر، والدكتور عبد اللطيف حمزة، وغيرهما، إلا أن دفاع المنصفين لم يستطع أن يوقف استمرار الهجمات على مرمى «قراقوش»، وظل الناس على مدى أكثر من سبعة قرون ونصف على رحيله يزيدون ويضيفون على «تلفيقات» ابن مماتي حتى غدا ذلك الرجل البريء مضربا للأمثال.. ومن الباحثين من يرى أن ذنب «قراقوش» صرامته مع الأدباء والشعراء الذين لعبوا دور رجال الإعلام في ذلك الوقت فانتقموا منه بتشويه سيرته، وكان ابن مماتي على درجة كبيرة من الدهاء في خصومته، فكتب ـ وهو الأديب المتمكن ـ كتابه باللهجة العامية لتعبئة الدهماء ضد خصمه اللدود، وتحقق له ذلك، وظل الناس حتى عصرنا يرددون ما أطلقه ابن مماتي من سخريات.

وللتعريف بما لحق بـ«قراقوش» من ظلم نورد نموذجا من تلك المغالطات التي جاءت في كتاب ابن مماتي أو أضيفت إليه، ولا يمكن أن تصدر من رجل عاقل حكيم مثل «قراقوش»، ومنها: أن أحد اللصوص دخل مشغل نساج ليسرق فاصطدمت عينه بالإبرة مما أدى لفقدانه إياها، وشكا اللص أمره إلى قراقوش فأمر هذا بقلع عين النساج، وباءت توسلات النساج المسكين بالفشل، وأخيرا طرأ على ذهنه اقتراح بأن تقلع عين صياد بدلا من عينه لأن الصياد لا يستعمل في أثناء عمله سوى عين واحدة. ووافق «قراقوش» ونفذ الحكم في الصياد!

فليرحم الله «قراقوش» الذي لم يسلم من ألسنة الناس حيا وميتا.

[email protected]