يا باشمهندس أسامة.. لحظة من فضلك

TT

لحظة من فضلك يا باشمهندس أسامة بن لادن، اسمح لي أن أنتزع سيادتك من مشاغلك العديدة ومسؤولياتك الجسيمة، لكي أشرح لك شيئا ربما يكون قد غاب عن بالك، في مجال الفن الغنائي ينزل الفنان بشريطه الأخير إلى السوق واضعا يده على قلبه خشية الفشل، أما أنت فكل عدة أسابيع تنزل بشريط جديد على الشاشة الصغيرة، فيهتم به كل الناس على الفور، أما أجهزة الأمن والمعلومات في العالم كله فهم يجهدون أنفسهم في تحليل شريطك ومحاولة فهم المعاني المختبئة بين سطوره وألغامه وأنغامه. الواقع أنك تغني أغنية واحدة وتعزف لحنا واحدا، هو لحن واحد بكلمات لا تخرج عن: لقد قتلت الناس وأنا عازم على قتل المزيد منهم.. يا تعساء هذا الزمن وجهلاءه، اقتلوا الآخرين، ولكي لا يتهمنا أحد بالأنانية، فلا بأس من أن تقتلوا أنفسكم أيضا.

دعني أكشف لك عن سر أعجز عن كتمانه، أصارحك بأني أشعر تجاهك بالغيرة، فأنا أيضا أتكلم على الشاشة الصغيرة في مناسبات متباعدة، بناء على طلب أصحاب البرامج، أما أنت فتتكلم عندما تقرر ذلك. وعندما أتكلم أنا يحرص أصحاب البرامج على أن يأتوا بمن يعارضني بقوة ويقاطعني ويسخف كلامي، ويحول لسانه إلى جهاز شوشرة اليكترونية ليمنع كلماتي من الوصول بأفكاري إلى الناس. أما أنت فكلماتك تصل إلى الناس واضحة بغير عوائق.

بالقليل الذي أعرفه عن النفس البشرية أستطيع أن أقول.. أنت أيضا فنان مبدع بل ربما كنت اكثر الناس في كل العصور إبداعا في مجالك، والفنان ـ وخاصة عندما يفلس ـ يشعر بالفزع من الغياب عن الصورة، وفي شريطك الأخير لا جديد في اللحن والكلمات، أنت فقط تريد تذكير الناس بأمجادك القديمة. أنت تعترف علنا وبكل وضوح أنك المسؤول الوحيد عن قتل آلاف الناس الآمنين الجالسين في مكاتبهم، وأماكن عملهم في البرجين فى 11 سبتمبر المشؤوم، وكأن الناس في العالم كله كانوا بحاجة لهذا الاعتراف أو كأنك تريد إحراج عدد كبير من البلهاء الذين يصرون حتى الآن على أنك بريء من هذا الفعل، لقد اعترفت بذلك في شريطك الأخير لتنفي التهمة عن الأفغان وأفغانستان.. وهل اتهمهم أحد بذلك يا سيد أسامة؟

التهمة كانت موجهة إليك أنت وحدك، أنت ورجالك وتنظيمك، والهجوم على أفغانستان حدث لأن حكومة طالبان آوتك هناك أنت ورجالك، وجعلت من بلادها قاعدة حربية تشن منها الحرب على العالم، وينطلق منها رجالك بأفكارهم الإجرامية وأسلحتهم الفتاكة بأوامر منك، كان من المستحيل القضاء على تنظيمك بغير الهجوم على هؤلاء الذين وفروا لك الحماية والإقامة والإعاشة، ولذلك عندما تطالب دول أوروبا بالانسحاب من أفغانستان لأنها بريئة مما حدث في 11 سبتمبر، فأنت بذلك تحاول في سذاجة غريبة عليك إخفاء حقيقة يعرفها الجميع. ولكن ألم يكن الشرف الإنساني يحتم إعلان هذه الحقيقة، قبل أن يغزو العالم هذه البلاد التعسة؟

أعترف أن العالم كله عجز حتى الآن عن القضاء على ترسانتك الحقيقية وهي البشر المصابين بالتخلف والعجز والجهل والكراهية والخبث، ولكن صدقني، العالم كله في طريقه إلى إنجاز ذلك مهما استغرق الأمر من وقت وجهد ومال.

ومع كل ذلك فليس هذا ما توقفت عنده في شريطك الأخير، لقد توقفت عند كلمة واحدة لا أعتقد أنك استخدمتها من قبل، هي كلمة الأخلاق.. الأخلاق يا سيد أسامة؟

قوات الغرب الأوروبي تقتل الرجال المحاربين كما تقتل الرجال المسالمين، كما تقتل أيضا النساء البريئات الآمنات، هذا هو ما تعترض عليه بشدة بوصفه فعلا مضادا لأخلاقيات الحرب، أخلاقيات الحرب التي تمنع قتل المدنيين الآمنين، هذا هو الجديد في قاموسك يا سيدي، الأخلاق.. تطالبهم باسم الأخلاق أن يكفوا عن قتل الأبرياء، وأنت كنت أول من قتل الأبرياء بالجملة، بالآلاف، وكأن البرجين في نيويورك كانا معسكرين حربيين يضمان المقاتلين والمقاتلات.

في نفس الشريط الذي تعترف فيه بقتل الأبرياء في تلك المذبحة الوحشية، تلك المذبحة التي فتحت باب التاريخ على مصراعيه لشلالات من الدماء في الشرق والغرب، في نفس الشريط تنعى على الغرب عدم التزامه بالأخلاق في عملياته العسكرية في أفغانستان. أرجو ألا تفهم من كلامي أنني أوافق على قتل الناس في أفغانستان أو في أي مكان آخر، أنا فقط أوضح لك ما وقعت فيه من تناقض مع نفسك.

أنت تخلط يا سيدي في كل أفكارك وعملياتك بين القتل والقتال، القتل جريمة أنت متهم بها وشكرا لأنك اعترفت بها أخيرا بكل وضوح، أما القتال فهو ضرورة عندما تكون الحرب اختيارا وحيدا، وأنت لم تترك للعالم اختيارا آخر. والحرب لها قواعد تشكل أخلاقيات الحرب، تعرف عند الجنرالات وخريجي الأكاديميات العسكرية بشرف السلاح. للسلاح شرف ياسيد أسامة، وهو مستمد من شرف الإنسان، ونحن نستطيع التعرف على مقدار الشرف عند شخص من الكيفية التي يستخدم بها سلاحه. قبل أن تحدث الأوروبيين عن الأخلاق، حدثنا نحن عنها وعن شرف السلاح في تفجير الناس في قطارات لندن ومدريد، حدثنا عن الأخلاق في عمليات قتل همجية ترتب عليها أن ينظر الينا الغرب جميعا في أقل القليل بشك وريبة، باحثا بيننا عن قاتل محتمل.

ترى.. لماذا استخدمت أنت هذه الكلمة وهي غريبة تماما على قاموسك؟

أنا أقول لك.. في كل هجوم توجد لحظة تسمى نقطة انكسار الهجوم عندها يبدأ المدافعون في شن الهجوم المضاد، أنت بكل ذكائك ودراستك الرفيعة، أدركت أن هجومك على الدنيا وصل إلى درجة انكساره، والشرق العربي والإسلامي بل والعالم كله حريص على استعادة الأمن والسلام، والدولة في المنطقة العربية أدركت أنها هي المستهدفة من التطرف، ولعل القبض على تنظيم عدد أفراده 208 في السعودية يوضح لك أو أوضح لك أن أجهزة الأمن في بلدك وفي المنطقة العربية بل وفي العالم كله، اكتسبت من الخبرة ما يؤهلها لكشف كل تنظيمات في كل مكان وتقديمها إلى العدالة.

أما السبب المباشر في احساسك بالرغبة في استخدام كلمات من قاموس البشر العاديين، ومن بينها كلمة الأخلاق، فلا شك أنه يعود إلى خوفك من التغييرات التي حدثت مؤخرا في باكستان. من الطبيعي أن تغييرات ستحدث في أجهزة الأمن والمعلومات هناك، والجناح الذي يحميك لأسباب أيديولوجية أو فلوسية سينكشف أمره عما قريب.. أنت تتحسب لتلك اللحظة التي ستطلب فيها من الآخرين أن يلتزموا بالأخلاق في تعاملهم معك.. هذا هو بالضبط ما جعلك تفكر في الأخلاق في شريطك الأخير.