العام الأخير

TT

هناك انطباع بأن العام الأخير في عمر أي إدارة اميركية يكون رئيسها قد امضى مدة الفترتين هو عام الانشغال بالداخل وبحملات المرشحين الرئاسيين من الحزبين الرئيسيين، المعارض الذي يريد الوصول الى البيت الابيض، او الموجود في الكرسي ويريد المحافظة عليه.

كما ان ادارة الرئيس الموجود تبدأ تدريجيا في فقدان قوة الدفع في عامها الأخير بحكم ان افرادها يعرفون انهم سيرحلون ان يرتبون انفسهم لوظائف او مستقبل وتحالفات جديدة.

لكن هذه ليست دائما القاعدة، فهناك تجارب لرؤساء اميركيين سابقين نشطوا دبلوماسيا في مجال السياسة الخارجية في عامهم الأخير على أمل تحقيق إنجاز يدخلهم التاريخ، وآخر مثال على ذلك الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون الذي وجد في مفاوضات السلام الفلسطينية ـ الاسرائيلية فرصة حاول اقتناصها لتحقيق إنجاز ففشل، إما لضيق الوقت او تردد الأطراف المعنية (عرفات وباراك).

ويبدو ان الرئيس الاميركي الحالي جورج بوش قرر ان يقوم بنفس المقامرة في عامه الأخير، فحسب ما أعلنته مصادر واشنطن ينوي بوش تركيز الجهود على تحقيق إنجاز على نفس المسار الذي حاول فيه كلينتون وسيبدأ عام 2008 بجولة في منطقة الشرق الاوسط لإعطاء قوة دفع لما تحقق بعد انعقاد مؤتمر انابوليس في الولايات المتحدة.

وبين تأكيد الادارة الاميركية جديتها ورغتبها الشديدة في رؤية اتفاق فلسطيني ـ اسرائيلي في عام 2008 يقود الى اقامة الدولة الفلسطينية، والتشكيك في المنطقة بأن هذه محاولة لتغطية المأزق في العراق، او التغطية على خطة ضربة عسكرية ضد ايران، هناك خيط واضح يمكن تلمسه وسط كل ذلك وهو أن هناك فرصة يتعين على الاطراف المعنية وحكومات المنطقة اقتناصها لترجمة ما تعلنه الادارة الاميركية الى حقائق على الارض يمكن البناء عليها وصولا الى تسوية شاملة تسعى اليها المنطقة منذ عقود.

صحيح ان هذه الفرصة، او الجهد المبذول، تأتي في ظل اوضاع صعبة تعقد جهود التسوية، وأولها حالة الانقسام الفلسطينية، ثم تعقيدات الوضع السوري وتداخلاته مع ملفات اقليمية اخرى والتي تنعكس على الوضع الفلسطيني اولا ثم على مفاوضات المسار الثاني الخاص بهضبة الجولان والتي لا تكتمل بدونها صيغة السلام الشامل، لكن الصحيح ايضا ان الاطراف كلها منهكة وتدرك ان الصراع استهلكها ويؤخر فرص تقدم مجتمعاتها وتحسين مستوى معيشة شعوبها، ويجلعها كلها عرضة لقوى تطرف ظلامية، وبالتالي فإن لديها مصلحة في تشجيع أي جهد حقيقي يأتي من جانب واشنطن.

وقد لا تكون الفترة المتبقية من عمر الادارة الحالية كافية للوصول الى إنجاز متمثل في اتفاق نهائي، ولكن ماذا يمنع بذل اقصى الجهد طالما هناك ارادات حقيقية على ذلك للوصول الى إنجاز ما يمكن إنجازه خلال عام 2008 وتوثيق ما يتفق عليه يحيث يكون ذلك مرجعا او بناء تتم تعليته في عهد الادارة المقبلة سواء كانت جمهورية او ديمقراطية، ففي النهاية فان الاتفاق هو اتفاق خاص بالمنطقة وبمصالح شعوبها، والاطراف الخارجية هي في النهاية وسيط يساعد او يسهل ويدعم.