يوم العيد عند الفراعنة

TT

لم يعرف شعب البهجة والفرح أكثر من الفراعنة، فكان حب المصري القديم للحياة أحد أسباب إبداعه في شتى مناحي الحضارة، ويخطأ البعض عندما يظن أن اهتمام المصريين القدماء بمقابرهم هو تأكيد على حرصهم على الموت أكثر من الحياة، فعلى العكس تماماً كان اهتمامهم بمقابرهم وتحنيط أجسادهم واتخاذ كل السبل لتأمين مكان راحتهم الأبدي، هو رغبة في البقاء والخلود، فالموت بالنسبة للمصري القديم كان مجرد مرحلة انتقالية من حياة إلى حياة أخرى أبدية. والعيد بالنسبة للمصري القديم كان مناسبة احتفال وفرح، ولا تختلف كثيراً احتفالاتهم بأعيادهم عما نقوم به الآن، فكان العيد مناسبة للترويح عن النفس بعيداً عن العمل؛ فيه تطهى أشهى الأطعمة من لحوم الطيور والثيران، وتفرش الموائد على أنغام الموسيقى، وتقوم فتيات جميلات بخدمة كل من دعي إلى مائدة العيد، وذلك في منزل أحد النبلاء، وهن في ثياب مبهجة من الكتان الأبيض والأحزمة الملونة وأغطية الرأس التى تفوح بأرقى أنواع العطور، يحملن أنواع الطعام ليضعنه أمام الضيوف. أما أفراد الشعب من البسطاء فكانوا يتوجهون إلى المعبد الذي كان يعد خصيصاً لاستقبال يوم العيد، وقد رفعت الأعلام المبهجة على صروحه وانسابت النغمات من بين جوانبه، والكهنة يطوفون بأرجائه في ثياب ناصعة البياض ينثرون الماء المعطر ويحرقون البخور ليزداد المكان روحانية وخشوعا. أما عن الموائد الملكية فهي تحتاج إلى مؤلفات لوصف ما كانت عليه من بهاء، فكان الملك يجلس على عرشه المرتفع، الذي تحمله أربعة تماثيل لأسود، وأمامه تجلس العائلة الملكية يليها كبار الموظفين والنبلاء ثم بعض أفراد الطبقة الوسطى، وقد فرشت الموائد أمامهم واتخذ عازفو الهارب والناي أماكنهم، وبدأ المغنون ينشدون أعذب الكلمات التي تدخل السرور إلى قلوب الحاضرين، ولحسن الحظ فلقد حفظت لنا هذه المناظر منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، وفيها نرى أجمل معاني الحب، حيث كان الملك يدعو الفنانين من النحاتين والرسامين ورؤساء العمال ممن يعملون في بناء هرمه إلى الاحتفال بيوم العيد.

أما عن أعياد الفراعنة فهي كثيرة ومن الصعب إحصاؤها، فلم تكن الأعياد تنقطع من أرض مصر، فغالباً ما كان هناك عيد أو أكثر في هذه المدينة أو تلك، احتفالاً بمناسبة خاصة بمدينتهم كيوم تأسيسها مثلاً، أو مناسبة دينية خاصة بهم، هذا إضافة إلى الأعياد العامة التى كان يحتفل بها جميع المصريين كيوم عيد رأس السنة، أو جلوس الملك على العرش، إضافة إلى أعياد أو مناسبات وطنية خاصة، وفيها يحتفلون بذكرى انتصاراتهم على أعدائهم. والمثير أن يوم اكتمال هرم الملك كان يوم عيد مهيب يحضره الملك بنفسه وكافة طوائف الشعب في العاصمة للاحتفال بالانتهاء من مقبرة الملك، وفي هذا اليوم تنظم فرق من الجنود والعمال عددا من المسابقات المشتركة، كالمصارعة والتحطيب ورمى السهام، وكذلك سباق القوارب وتذبح أعداد كبيرة من الثيران ليأكل المحتفلون ابتهاجاً بانتهائهم من بناء مقبرة الملك الذي كان بمثابة المشروع القومي للبلاد كلها.

ومما لا شك فيه أنه كان للأطفال النصيب الأكبر من البهجة والسرور خلال الأعياد، ففيها ينالون الملابس الجديدة ويحظون بألعاب يقدمها لهم الآباء ويخرجون إلى الشوارع والساحات للعب مع أقرانهم والجميع ينظر إلى السماء ليحمد رب الكون على نعمة الحياة في مصر.. أرض الخير والعطاء، كل عام ونحن جميعا بخير وسلام.

www.guardians.net/hawass