إشكالية التفكير على السلم

TT

أكثر ما يخافه السياسيون «التفكير على السلم»، فالبعض يتذكر أثناء مغادرته قاعة المؤتمر ما كان يفترض أن يقوله داخل القاعة، وذلك ما يطلق عليه علماء النفس «إشكالية التفكير على السلم»، فتجد هذا البعض يصدر ملاحق من التصريحات في محاولة يائسة لإلحاقها بركب الكلام.. ولذا كان «بريماكوف» رئيس وزراء روسيا سابقا يجري أكثر من سيناريو قبل لقائه بأي زعيم لما يحتمل أن يمتد إليه النقاش، وما يفترض أن يقوله في مواجهة تداعيات الحوار، خشية أن يداهم بما ليس في الحسبان، أو أن ينسى بعض ما يجب قوله، لتلافي مأزق التفكير على السلم، ومثله اعتاد أن يفعل جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السابق، والاثنان يعتبران المفاوضين الأكثر براعة في الدبلوماسية المعاصرة.

وإشكالية التفكير على السلم يمكن أن تنطبق أيضا على المسؤول الذي لا يتذكر ما كان ينبغي إنجازه إلا بعد إقالته أو إحالته إلى التقاعد، فأكثر الناس تنظيرا اليوم هم أولئك الذين انتقلوا إلى مقاعد المتفرجين، فهم يتحدثون بمثاليات لو قدر لهم التعامل بها قبل نزولهم «على السلم» لما احتاجوا إلى الحديث عنها اليوم.. وكنت أنصت ذات مساء لمسؤول عربي سابق أمطر مسامعنا ـ عبر إحدى القنوات الفضائية ـ بالكثير من القيم والأخلاقيات والمبادئ التي لم يطبق شيئا منها أثناء جلوسه على الكرسي، فما راح يهدر به في ذلك المساء مجرد حيل عقلية لا شعورية لإرضاء الذات، أو أنها حيل شعورية مقصودة لتضليل ذوات الآخرين.. ومشكلة هذا المسؤول وأمثاله أنهم يعولون في أحاديثهم تلك على ذاكرة عربية ليس من سماتها الإيغال في التذكر، ذاكرة تتسم بالصفح والعفو والنسيان، والاكتفاء بذكر محاسن الموتى، ومن في حكمهم، فكل ما يحتاجه أمثال ذلك المسؤول السابق «مايكرفون» ومحاور بليد لتبييض السيرة المشبوهة، أسوة بما تفعله المافيا في تبييض الأموال القذرة.

وما سمعناه أثناء المحاكمة على لسان صدام حسين، وطه ياسين رمضان، وبرزان التكريتي ـ رحمهم الله ـ من مثاليات تجاه العراق والعراقيين، يعكس حالة من درجات وضوح الرؤية التي لو بلغوها قبل نزولهم «على السلم» لما آل حالهم، وحال العراق إلى هذا المصير.. لكنه القياس بعد الغرق، أو الندم بعد فوات الأوان.

خلاصة: من يحافظ على رأسه من الدوار في الصعود لن يخشى ارتطامه بالأرض لحظة الهبوط.

[email protected]