الإعلام الجديد: فوضى أم مستقبل رائع؟

TT

في مؤتمر الاعلام العربي الذي عقد في القاهرة الشهر الماضي برعاية وزير الاعلام خصصت واحدة من الندوات لفحص تأثيرات الاعلام الجديد على الرأي العام. اهميتها اننا جميعا نعرف تأثير الصحف والتلفزيونات لكن لا ندري بشكل موثق طبيعة التأثير الذي يفعله الهاتف الجوال والانترنت وغيرهما من الوسائل الاتصالية الحديثة جدا. احببت هنا ان اقدم تلخيصا لرأيي الذي قدمته في ورقة للمؤتمر.

من المؤكد اننا نعيش حالة انتقال اكبر من قدرتنا على حساب تغيراتها الآن، وأكثر غموضا من أن نحدد طبيعة الوجهة التي تأخذنا اليها. وبالتالي من المهم ان أعترف، بل أحذر، من الاستسلام لكل ما أقوله لكم هنا، او ما يطرحه المحللون في مجال الاعلام. نحن لا ندري على وجه الدقة كيف ستنتهي هذه الثورة المعلوماتية، كما كان العالم القديم يجهل ما كان يعنيه اكتشاف الديناميت عام 1866 والذي غير ميزان القوى في العالم الى الابد.  كانت الظنون ان العالم اكتشف وسيلة لشق الانفاق وحفر المناجم لما فيه خير البشرية ليكتشف لاحقا انه فتح باب الحروب التدميرية الهائلة، ليتغير العالم بعدها الى الأبد.

لهذا «الاعلام الجديد والرأي العام» موضوع شائع وغامض في نفس الوقت. يمكن ان نعرف على وجه التقريب عدد المنخرطين في الاعلام الجديد، المرسلين والمستقبلين من خلال فحص احصائيات شركات الهاتف في اسواق المنطقة لكن لا أحد يستطيع ان يقول لنا على وجه الدقة كيف فعلت هذه الوسائل والرسائل في المجتمع، وما الذي تفعله من تغيير بسرعة او ببطء. لهذا نجزم أولا بان العالم العربي يتغير، وثانيا لا ندري ان كان نحو الأفضل او الاسوأ. هل رسائل الهاتف والرسائل الالكترونية مثلا تساعد على تطوير النظم السياسية، والمشاركة الشعبية الحقيقية، وتسهل تأمين نقل العلوم وتبادل المعارف وتقريب المسافات وتحسين العلاقات؟ ام انها بوابة أوسع نحو الفوضى والإرهاب وتخريب علاقات الشعوب وترويج العنصرية المحلية والقبلية وإحياء الافكار القديمة؟ الحقيقة لا ندري بعد.

الذي اجزم به ان الاعلام الجديد يفعل شيئا واضحا هو تضخيم ما فينا، سواء كان سلبيا ام ايجابيا، أكان الجأر بالشكوى من سوء الممارسات الحكومية ام التهكم العنصري على بعضنا.

على الرغم من شيوع استعمال كلمتي «الاعلام الجديد» الا انك لن تجد تعريفا متفقا على ماهيته. راجعت عددا من الموسوعات الحديثة فوجدت تعاريف مختلفة، حيث وصفته بعضها بأنه الاعلام الرقمي بعمومه، وأخرى اعتبرته كل وسيلة تواصل خرجت في ربع القرن الماضي. ومن جانبي أميل الى تعريفه بكل ما تجاوز الاعلام التقليدي، من صحف ومجلات وكتب وإذاعة وتلفزيون. الجديد هو الاذاعات الرقمية، والمحطات التلفزيونية التفاعلية، والكابل الرقمي، والانترنت، والهواتف الجوالة والألعاب الالكترونية. وتتوالد من كل واحدة من هذه المجموعة فروعا أخرى من الاعلام الجديد، تنمو لوحدها او بالتداخل مع غيرها. فالهواتف الجوالة صارت تنقل الاذاعات الرقمية، والبث التلفزيوني التفاعلي أيضا، والخرائط الرقمية، ومواقع الانترنت، والموسيقى، والكاميرات، ومقاطع الفيديو، والمتاجرة بالأسهم، والأخبار الجوية، وحركة الطيران، الخ.

[email protected]