مشهد حزين وبائس في باكستان

TT

اغتيلت بي نظير بوتو في مشهد درامي أمام أنصارها في تجمع جماهيري في المدينة الباكستانية روالبندي. إنه مشهد بائس جديد على المسرح الباكستاني المجنون. باكستان ذلك البلد الذي سقط أسيرا للثالوث المرعب: التطرف الديني والقبلية الموتورة والحكم العسكري، ولم يعد قادرا على الخروج من براثن هذا الوحش الجاثم على أنفاسها.

اغتيال بوتو هو فصل متوقع في سجل بلد يتمزق في دهاليز الفساد والتطرف والاستبداد، التفرقة والتمييز الحاصل بين أبناء باكستان سواء اكان على الصعيد الديني أو على صعيد ابناء الديانة الواحدة والمذاهب فيه بين السنة والشيعة والإسماعيلية، مع عدم إغفال الهوة المهولة بين أبناء السند والبنجاب والبلوشستان.

من الواضح أن هناك أصابع كثيرة قد تكون أطلقت الزناد على بي نظير بوتو، لأن الخارطة السياسية في باكستان تتبدل. بعد انهيار نظام طالبان المتطرف في افغانستان، والذي كان ابرز صانعيه وداعميه جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستانية القوي، فقدت باكستان التأييد التقليدي على جارتها و«فجأة» أصبح للهند 12 قنصلية فيها مقابل 9 لإيران، وقررت هذه الاستخبارات أن تعاود دعم طالبان وبقوة شديدة لتعود طالبان للسيطرة على جزء غير بسيط من الأراضي الأفغانية، وهذا الغول المتطرف بحاجة للدعم الشعبي وبالتالي عادت القاعدة للبروز.

ومنذ أيام وجودها في المنفى وبوتو تتوعد وبشدة، أنها لن تسمح بوجود أي علاقة لباكستان مع أي كيان متطرف بشكل مباشر أو غير مباشر، وصعدت من لهجتها ووعيدها بعد عودتها ضد طالبان والقاعدة وكل من يدعمهم.

الجيش سيظل الحاكم الأول في باكستان، تأكد ذلك بوضوح حين وصول الجنرال ضياء الحق بانقلاب أحمر وإعدامه بلا وجه حق لأبرز قائد سياسي في تاريخ باكستان والد بي نظير: ذو الفقار علي بوتو، بعد أن توسط لوقف ذلك زعماء العالم بلا جدوى. بعدها تبنى ضياء خطا شديد التطرف وولد مناخا شديد التوتر، وأدخل البلاد في دوامات دامية كلفتها الكثير وباتت مضرب الأمثال للفساد والتطرف والحكم غير الرشيد، بينما واصلت جارتها النهوض الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي من دون الالتفات لمحاولات باكستان لإشغال العالم بسباق عسكري أجوف (فكيف يفرح الناس بصاروخ نووي وهم جياع والاستبداد يسود؟) أو بدعم حركات انفصالية في كشمير مريبة وغريبة!

موت بي نظير بوتو فصل جديد، ولكنه حتما ليس الأخير في مسلسل الاخفاق الباكستاني، الذي اختار طريقا أسود بلا نهاية.

[email protected]