الدين والسياسة والإعلام

TT

يجب على الولايات المتحدة توسيع دائرة النقاش حول الدين والسياسة خلال موسم السباق الرئاسي. فهذا النقاش لا يتركز على ميت رومني ومايك هاكابي فحسب، كما انه لا يقتصر على الولايات المتحدة فقط، ذلك ان الدين اصبح مجددا قوة دافعة بارزة في ساحة الشؤون الدولية.

الفصل بين الدين والدولة، والعكس، بدا فكرة جيدة للاميركيين منذ صياغة الدستور الاميركي. كما ان أوروبا كانت قد تبنت نفس التوجه في وقت لاحق من خلال ثورات مناوئة للكهنوت رفضت الحق المقدس للملوك والقياصرة في الحكم. وفي وقت لاحق أيضا اصبح العالم الإسلامي جزءا من نظام سياسي علماني من خلال التقسيم إلى دول قومية وقبول القانون الدولي مجسدا في منظمة الأمم المتحدة.

إلا ان العولمة والفرص الجديدة للترويج للدين، بغرض الكسب، دفعت ذلك التوجه نحو العلمانية إلى مرتبة ثانوية أو حولته في بعض الحالات إلى العكس تماما. ويمكن القول هنا ان القوى المؤثرة لردة الفعل والأثر المعنوي والعاطفي للخطاب الديني عبر شاشات التلفزيون باتت تشكل الآن مصدر تمكين للعناصر الجهادية المتطرفة والجماعات التبشيرية المسيحية الانجليكانية على حد سواء. وفي ظل ضغوط التكنولوجيا العابرة للحدود التي دخلت كل بيت وساهمت في انهيار البنى الاجتماعية والأسرية التقليدية بات الأفراد يبحثون عن ملاذ في الدين أو، على الجانب الآخر، في نزعة إلحادية صارمة تعتبر هي الأخرى ظاهرة ناجمة عن ردة فعل.

وسائل الإعلام الاميركية كانت في السابق تفاخر بتغطيتها للأحداث والمسائل المتعلقة بالجانب الديني بنفس الحياد الذي تغطي به الأحداث والتطورات السياسية والقضايا الأخرى. إلا أن قطاعات متزايدة في إعلام اليوم أصبحت تتعامل مع الدين كسلعة سعيا لاجتذاب أكبر عدد من المشاهدين لشاشات التلفزيون أو الزوار لمواقع الانترنت.

وما اتجاه شبكة «سي إن إن» لاستضافة منافسين في السباق الرئاسي في مناظرات تلفزيونية للتحدث حول اعتقادهم في ما هو وارد في الإنجيل سوى مثال واحد فقط على هذا التوجه، فضلا عن الاهتمام بنقاش حاد بين مرشحين حول من هو «أفضل مسيحي جمهوري».

هناك أيضا نقاش مهذب حول الدين والسياسة لكنه يفتقر إلى حد كبير حتى الآن إلى السياق ولا يتناول التغير السيكولوجي الهائل الذي يحدث فيما يتعلق بدور الدين في شؤون الدولة.

وكان الرئيس نيكولا ساركوزي قد أثار دهشة في فرنسا عندما زار الفاتيكان خلال موسم أعياد الميلاد أواخر العام المنصرم لتأكيد ان الكاثوليكية تشكل «واحدا من مصادر الحضارة الفرنسية»، وقال في واحد من تعليقاته إن جذور المجتمع الفرنسي «مسيحية في الأصل».

وفي الواقع ساعدت العناصر الجهادية في «القاعدة» وحركات أخرى في دفع الغرب إلى تفحص الأدوار الآيديولوجية والاستراتيجية التي تلعبها نزعة الحماسة الدينية في السياسات العالمية في الوقت الراهن.

وكان الكاتب جورج ويغل قد أورد في كتاب له نشر في الآونة الأخيرة بعنوان Faith, Reason and the War Against Jihadism ان «الغرب إذا لم يتعامل بصورة جدية مع الأفكار الدينية كقوة فاعلة في الأحداث والتطورات فإنه سيكون بمثابة من ينزع سلاحه وهو يخوض حربا». ويرى ويغل، وهو عالم لاهوت كاثوليكي، أن ثمة إمكانية لصياغة قيم مسيحية ضمن آيديولوجية كونية مضادة لمحاربة «القاعدة» وشركائها.

ويشير ويغل في كتابه أيضا إلى ان غالبية المسلمين ترفض التبرير لقتل الأبرياء باسم الله. ويمكن القول ان غالبية المسلمين ستتوصل إلى التعاليم الفعالة القائمة على العدل والاعتدال في محاربة الفكر الجهادي.

* خدمة «مجموعة كتاب واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»