صحراء الساحل الإفريقي.. قاعدة خلفية جديدة للإرهاب

TT

بينما لا يزال العالم يصارع خطر الإرهاب وضرباته الجبانة، ترتسم لدينا في مطلع هذا العام خارطة جديدة عن انتشار هذه الآفة، تضم إلى جانب بقع التوتر المعتادة دولا لم نعهدها في السابق إلا آمنة. إنها المعلومات التي أصبحت تؤكدها يوما بعد يوم أحداث خطف وقتل السياح الأجانب التي تأتينا من دول ساحل الشمال الأفريقي. ففي أواسط الشهر الماضي تم اغتيال 4 سياح فرنسيين في موريتانيا، ولأول مرة منذ إنشائه تم إلغاء سباق رياضي مهم هو رالي باريس ـ داكار بناء على معلومات استخبارية تفيد بوجود خطر على الأجانب في هذه البقعة من العالم، وهي كلها أحداث لم تأت سوى تتمة لأحداث سابقة بدأت عام 2003 حين تمّ خطف أكثر من 32 سائحا أجنبيا في صحراء الجزائر، ثم السّطو على ثكنة عسكرية بموريتانيا عام 2005.

وإن كان وجود هذه الجماعات في صحراء شمال أفريقيا أمر لا شك فيه، إلا أني أستغرب على وسائل الإعلام الغربية مبالغتها في تقييم قوة هذه الجماعات وعلاقتها بتنظيم القاعدة، فمن يقول إنها مجهزة بأحدث الأسلحة ووسائل تكنولوجيا الاتصال للتنسيق مع تنظيم القاعدة وتلقي الأوامر من أسامة بن لادن، ومن يقول إنها أصبحت تسيطر على جميع طرق صحراء شمال أفريقيا من المغرب إلى شمال السودان، ولا شك أنه كلام مبالغ فيه وإن قاله أشخاص يطلقون على أنفسهم لقب «خبراء»، وكلنا يعلم الآن أن تنظيم القاعدة لا يملك مكتبــا مركزيــا تنطلق منه القرارات والأوامر على المنوال السوفيتي، ولا حتى على تلك المغارات «المستقبلية» التي صُورت لنا على أنها مجهزة بشاشات مراقبة ومصاعد قبل أن نكتشف أن «تورا بورا» هي مغارات مثل المغارات الأخرى لا غير، وربما كانت علاقة بن لادن بهذه الجماعات المنتشرة في الساحل الأفريقي وإن جاز التشبيه ـ هي أقرب إلى تلك التي تربط رئيس شركة متعددة الجنسيات بعملائه وهو يوزع لهم حقوق استثمار ماركة «القاعدة» عن طريق أشرطة فيديو تبث عبر الانترنت، أكثر منه إلى زعيم عسكري يخطط للعمليات.

وربما كان الإرهاب في المغرب العربي وشمال إفريقيا أحسن نموذج لما أصبح يسمى الآن «بعولمة الإرهاب»، فبعد أن كانت بداياته تحمل طبعة محلية، أصبح شيئا فشيئاً يميل إلى تماثل الأنماط والمواصفات، وقد رأيناه في الجزائر مثلاً يستهدف المثقفين ورجال الشرطة بأسلوب الرمي بالرصاص أو الذبح أولاً ثم يتطور إلى استعمال الحزام الناسف وقتل المدنيين إلى شريط الفيديو على شبكــة الانترنت الذي أصبح أهم ما يعُقب العمليـات الإرهابية. وإذا تمعنا في ظروف نشوء هذه الجماعات فسنجدها جميعاً تنطلق من أحداث داخلية قبل أن تعلن ولاءها لتنظيم القاعدة، وقد أصبح معروفا أن النشاط الإرهابي لهذه الجماعات قد بدأ مع لجوء الجماعات الإرهابية الجزائرية إلى أقصى جنوب البلاد حيث نسجت شبكة من العلاقات مع تجار السلاح والمخدرات المنتشرة، خاصة على حدود مالي والنيجر وموريتانيا وليبيا، حتى أصبحت هذه المناطق الحدودية معبرا مهما لشتى أنواع التجارة غير المشروعة، ولعل هذا ما يفسر أيضا الجهود الجزائرية المتواصلة من اجل تنسيق عملية مراقبة الحدود مع جيرانها وسعيها من أجل لعب دور وسيط السلام بين الدول المجاورة وحركاتها السياسية المتمردة تجنباً لاحتوائها من طرف الجماعات الإرهابية، لكن يبدو أن جهود الدول المعنية لم تلق استحسان «شرطي العالم» الولايات المتحدة الأمريكية التي تراقب بعين الحذر تطور الأحداث في هذه المنطقة، وهي التي صنفت هذه المنطقة منذ 2003 ضمن «لائحة المناطق الخطِرة» ومنذ ذلك الوقت وبوش يحلم بإقامة قاعدته العسكرية التي وجد لها اسم «أفريكوم» في انتظار مقرها الذي يحبذه في الجزائر نظرا لموقعها الإقليمي، المالي أو النيجر، ورغم رفض الدول المعنية عرض بوش عدة مرات، فهو لا يكل، وآخر الأخبار تقول انه سجل زيارة لهذه المنطقة ضمن أجندته لعام 2008، والجديد انه جاء يعرض هذه المرة عدة اتفاقيات ضمن «معاهدة الدفاع العسكري المشترك» التي يريدها مع أفريقيا، وهو يقول إنها لن تكون عسكرية فقط، بل انها ستحمل تحمل طابعا اقتصاديا ودبلوماسيا وثقافيا وان الهدف منها دفع عجلة التطور في أفريقيا في محاولة منه لاستمالة رضى هذه الدول.

هل هو الحرص على حفظ الأمن ومحاربة الإرهاب ما يحرك المساعي الأمريكية في هذه المنطقة..؟ ليس بالأكيد والأرجح كما هو الحال في جميع كواليس المخططات السياسية فإن المصالح هي التي توجه القرارات، وربما الإجابة نجدها في الثروات الطبيعية التي يزخر بها باطن هذه الدول، والتدخلات الأمريكية للسيطرة على هذه المنطقة باسم محاربة الإرهاب وككل مرة لا نجد القاعدة إلا وهي تخدم أهداف واشنطن!