يوم أغرق الأميركيون أسطول الخميني

TT

ذلك اليوم في تاريخ مضيق هرمز كرر نفسه، ولكن كملهاة فقط كما هو الحال على الدوام في مثل هذه الحالات.

فقد اقتربت خمسة من الزوارق السريعة الفرنسية الصنع تابعة لفيلق الحرس الثوري الاسلامي، الموازي لجيش ايران، من سفينة حربية أميركية في «عرض تهديد». وعندما سأل الأميركيون عما يريده الإيرانيون جاء الجواب صريحا وبصوت عال: ابتعدوا وإلا أغرقناكم!

وردا على ذلك وجه الأميركيون مدفعيتهم الثقيلة الى زوارق الحرس الثوري الصغيرة واستعدوا لإطلاق النار. وانتهى الحادث بالتهديدات الفارغة وابتعاد محاربي الحرس الثوري. ولو أن عناصر الحرس الثوري لم يتراجعوا لربما واجهنا تكرارا لما حدث يوم 18 ابريل عام 1987. ففي ذلك اليوم أطلقت مجموعة من زوارق الحرس الثوري النيران بالفعل على سفينة حربية أميركية، مما أثار نزاعا بحريا زاد على 12 ساعة.

وفي نهاية اليوم خسر الحرس الثوري معظم قوته البحرية وهي خسارة لم يشف منها حتى أواسط التسعينات. كما ألحق الأميركيون «أضرارا أخرى» بقيمة 1.2 مليار دولار بمنشآت صناعة النفط الإيرانية.

وما من أحد يعرف عدد من ماتوا من أفراد الحرس الثوري. غير أنه بفضل معداتهم الأفضل وقوة نيرانهم وتدريبهم المتفوق تحملوا خسائر أقل. وجاء النزاع في سياق حملة طهران لإيقاف تدفق النفط الكويتي عبر المضيق بإطلاق النار على الناقلات التي تحمل العلم الكويتي. وعندما طلب الكويتيون المساعدة رفع الأميركيون العلم الأميركي على الناقلات. ولكن حتى ذلك لم يوقف حملة الحرس الثوري غير العملية. ومما يلفت الأنظار ان الأميركيين اهتموا بصورة استثنائية بعدم تدمير البحرية النظامية لإيران التي كانوا قد ساعدوا على بنائها في سنوات السبعينات. وباستثناء واحد أو استثناءين ظلت البحرية النظامية على الهوامش بينما تلقى الحرس الثوري ضربات.

وأظهر الحرس الثوري وسادته السياسيون أنهم لم يتعلموا درسا أساسيا واحدا في الاستراتيجية: عدم الالتحاق بالمعركة ما لم يكن لديك ما لا يقل عن 50 في المائة من فرصة الفوز.

ودخلت معركة 18 ابريل 1987 تاريخ البحرية الأميركية باعتبارها واحدة من أعظم خمسة انتصارات في البحر من جانب الأميركيين (وهي تدرس في الأكاديميات البحرية الأميركية كنموذج على الحرب البحرية).

وكانت للمعركة، التي ظلت سرا بالنسبة للشعب الإيراني حتى اليوم، عواقب أعظم.

فقد أظهرت أن النظام الذي أسسه الخميني، شأن أي نظام استبدادي آخر في العالم، يفتقر الى آليات ضبط النفس، ولم يتوقف ما لم يصطدم بمواجهة قوية (في العام الماضي عبر الرئيس محمود أحمدي نجاد بطريقته عن هذا الأمر عندما قال إن السياسة النووية للجمهورية الإسلامية قاطرة بدون دواسة ناقل حركة أو كوابح). وبسبب الاصطدام بشيء قوي أوقف آية الله في الحال الهجمات على الناقلات.

كما أمر الحرس الثوري بعدم الظهور بطريقة استعراضية داخل المياه الإقليمية. وأدرك الخميني أن قاطرته التي بدون كوابح قد اصطدمت بشيء قوي وكان يخشى أن تصطدم بشيء أقوى إذا ما استمر على موقفه.

وآية الله الذي فهم السياسة باعتبارها فن إدارة استخدام العنف أدرك انه يثير شيئا أكبر من مجرد جرعات عنف معظمها بصيغة إشارات دبلوماسية استخدمها خصومه الأميركيون ردا على الاستيلاء على السفارة الأميركية في طهران، واحتجاز الرهائن الأميركيين في إيران ولبنان وعمليات القتل الجماعي من جانب المفجرين الانتحاريين لحزب الله التي حصدت أرواح 241 من المارينز في بيروت.

اضطر الخميني للتراجع عن تعهد قطعه بعدم وقف الحرب مع العراق حتى «تحرر جيوشه كربلاء وتتوجه من هناك لتحرير القدس».

خلال ساعات فقط كان مبعوثوه إلى الأمم المتحدة يشيرون إلى انه سيضع نهاية للحرب في حال عدم اتخاذ الولايات المتحدة أي خطوة أخرى. وخلال فترة أسابيع أصدر الخميني قرارا بإنهاء الحرب التي استمرت ثماني سنوات وحصدت ملايين الأرواح وأجبرت 4 ملايين على النزوح ودمرت تماما أكبر ميناء إيراني. (الخميني وصف قراراه بـ«تجرع كأس من السم». توفي الخميني بعد عشرة أشهر).

السبب في عدم تطور المناوشة التي حدثت الأسبوع الماضي في هرمز إلى حدث أشبه بما بوقع في 18 ابريل 1987، هو أن شخصا ما في طهران أمر الحرس الثوري بالتراجع.

أيا كان هذا «الشخص» في طهران، فإن ذلك يوضح انه استفاد من درس كارثة 18 ابريل. فمحاولة استفزاز الولايات المتحدة واستدراجها إلى حرب في هذا الوقت ربما يتطور إلى كارثة اكبر على النظام الخميني.

كانت للولايات المتحدة عام 1987 قوات محدودة في المنطقة، وتتألف غالبيتها من مستشارين فنيين. أما اليوم، فإن للولايات المتحدة قوات قوامها 230 ألف جندي وضابط في العراق والخليج وأفغانستان.

كان بوسع الولايات المتحدة عام 1987 تهديد النظام الخميني من الجنوب الغربي فقط، ذلك أن الاتحاد السوفياتي كان يسيطر على كل المناطق إلى الشمال بالإضافة إلى أفغانستان، شرق إيران. أما اليوم، فإن للولايات المتحدة قواعد محيطة بإيران في كل من تركيا وباكستان والقوقاز وآسيا الوسطى وأفغانستان. يضاف إلى ذلك ان لواشنطن حاليا أكبر مجموعة سفن حربية في المنطقة.

يجب أيضا أخذ عاملين آخرين في الاعتبار. أولا، اعتبرت إدارة بوش مسبقا الحرس الثوري «منظمة إرهابية»، وهذا يجعل اتخاذ خطوة ضده أمرا أكثر سهولة من الناحية السياسية.

ثانيا، من الواضح ان أي نزاع يندلع الآن لن يكون محدودا كما كان عليه الحال عام 1987.

في ذلك الوقت كانت إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريغان ترغب فقط في انسياب إمدادات النفط عبر مضيق هرمز. اما اليوم، فإن إدارة بوش تأمل في إعادة صياغة توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط على نحو لا يترك مجالا للجمهورية الإسلامية لتفادي إجراء تغييرات رئيسية في سياساتها ومسلكها.

النزاع العسكري اليوم لا يمكن أن ينتهي بالتعادل، كما لا يمكن أن يظل سرا بالنسبة للشعب الإيراني. إذ لا بد أن يسفر النزاع عن منتصر وخاسر.

على الرغم من ما يسمى بـ«السبق» بشأن وجود خطط أميركية لشن حرب لتغيير النظام في طهران، فإن اندلاع نزاع عسكري هذه المرة احتمال غير وارد الحدوث. السبب هو أن هذا «الشخص» في طهران، أيا كان، ربما يكون قد أدرك حقيقة أن النظام الحالي، مقارنة بما كان عليه الحال عام 1987، قد فقد قاعدته الشعبية ولم يعد في وضع يمكّنه من مخاطرة الدخول في حرب أخرى. على الرغم من الأرقام الفلكية التي تنفق على بناء الآلة العسكرية، فإن الجمهورية الإسلامية لا تزال في وضع لا يمكّنها من دخول حرب نظامية تنتهي باستمرار النظام في السلطة، دعك من خروجه من هذه الحرب منتصرا. مع ذلك، لا تزال إيران «قوة عظمى» في الحرب غير المتماثلة والهجمات الانتحارية واحتجاز الرهان وما تعتبره بقية دول العالم إرهابا. في هذا السياق، ظلت الجمهورية الإسلامية في حالة حرب مع الولايات المتحدة منذ 4 نوفمبر 1979 ولا تزال تلحق خسائر بأعدائها الأميركيين متى ما كان ذلك ممكنا، خصوصا في أفغانستان والعراق.

هذا هو السبب في توجيه الزوارق الإيرانية بالفرار وترك الأميركيين أمام خيار صعب: إما افتراض مسؤولية بدء حرب رئيسية أو الاستمرار في قبول الخسائر التدريجية التي ظلت تلحق بهم على مدى عقود بواسطة الحرس الثوري في حرب غير متماثلة.