خذ

TT

أفهم أن يُرجم الزاني والزانية من البشر ـ والعياذ بالله ـ

ولكن أن يصل الرجم كذلك للقرود (!!)، فهذا هو آخر ما أتوقعه أو حتى أتخيله، إلى أن شاهدت ذلك (بأمّ) عيني ـ جعلها الفقع ـ، ففي سنة من السنوات عندما كنت في رحلة بين الطائف والباحة مع بعض الأصحاب من (الصيعيّة) الله لا يكثّرهم، رأينا قرداً وقردة، يتطارحان الغرام خِلسة خلف صخرة كبيرة، واستمر تطارحهما خمس دقائق تقريباً، وكانت عيناي خلال ذلك التطارح المجيد لا تفارقهما أبداً، ولم يقطع تطلّعي غير صرخة مدويّة عبر الوادي المنحدر، وإذا بقرد ضخم منفوش الشعر، فتيقّنت أنه زعيم أو شيخ قبيلة، وصدَق حدسي لأنني لاحظت أن عشرات القردة بعد أن سمعت صرخته تلك، بدأت تتراكض نحوه من كل حدب وصوب، وبعد أن تجمعت بدأت تزحف نحو ذلك القرد وتلك القردة ـ التي اعتقد أنها تمُت لذلك القرد الزعيم بصلة، فهي إما أن تكون بنتاً من بناته، أو زوجة من زوجاته، أو محظية من محظياته، أو عشيقة من عشيقاته ـ والله أعلم ـ

لا أطيل عليكم، زحفت القردة يتقدمهم (الزعيم الأوحد)، وفي يد كل واحد منهم حجر هو بدون مبالغة إن لم يكن بحجم رأسي فهو أصغر منه قليلاً، وبدأ الرجم على الزانيَين بكل هِمة ونشاط.

ومن شدة انفعالي كدت أتورط عندما اندفعت لا شعورياً لإنقاذ القردة الأنثى، لأنها بالفعل (صعبت عليّ)، لولا أن مَن كان بجانبي قد أمسك بذراعي قائلاً: اهدأ والزم مكانك، لأنك لو ذهبت فسوف ترجم كأي زان، ولن نستطيع، بل إننا لن نُقدم على نجدتك أو فكاكك، وكل ما نستطيعه أننا سوف نترحم عليك ثم نحمل أشلاءك إلى المقبرة كأي شيطان رجيم، ونرميك فيها ثم نحثو عليك التراب.

وعندما سمعت منه ذلك جبنت ولزمت مكاني، وكان قلبي ساعتها يكاد يتفطّر من مشاهدة تلك القردة الجميلة الكتكوتة الزانية وهي تحاول بيديها الناحلتين أن تتقي الحجارة المنهمرة عليها من كل جانب، لكنها في النهاية خرّت المسكينة شهيدة الغرام صريعة، ولا يزال منظر جسدها البض المنبطح أرضاً لم يبارح مخيلتي حتى الآن، رغم أنه مرّ على تلك الحادثة أكثر من خمسة عشر عاماً كاملة، آه يالقهر آه.

***

سألني أحدهم: من أين تأتي أنت بتلك الأكاذيب وذلك (البكَش) الذي تكتبه؟!

قلت له: إنني من النادر أن أكذب، وإذا قررت أن أكذب فلا بد أن تكون كذبتي على الأقل بحجم جبال (الهيمالايا) لكي تكون (حرزانة)، وإلا فلا، أما عن (البكَش) فحدّث ولا حرج، لأن هذه (شغلتي) التي أحرص عليها، فأنا أجنّد حواسي (الست) على مدار الساعة، والتقط (ما يروق لي)، وما يزعج القرّاء فأكتبه، ومثلاً بالأمس القريب جداً استرقت السمع كعادتي دائماً، وسمعت امرأة (ذكية) تقول لصاحبتها: إنني لست راغبة في رجل كامل، بل في رجل يجمع في شخصه كل النقائص التي أحبها.

عندما سمعت كلامها، توسمت بكل عبَط أنني ذاك الرجل، لكنني عندما تطلعت بوجهي في المرآة لم يعجبني وجهي إطلاقاً، عندها رفعت يدي قائلاً له: خذ.

[email protected]