يا ويلك من غيرة الشعراء

TT

تعرضت في مقالة سابقة الى عاطفة الغيرة التي تتملك الادباء والشعراء وتضرم قلوبهم بنيران الغضب والكره والكيد. قالوا لا غيرة كغيرة الأدباء من بعضهم البعض. من ظواهر هذه العاطفة ما يشب في قلوب الشعراء العراقيين إزاء زملائهم في مصر. ما زلت أتذكر وانا طفل صغير غضب والدي رحمه الله وزملائه المتأدبين على إطلاق شرف امير الشعراء على احمد شوقي. قالوا: من انتخبه أميرا على الشعراء؟ وكأنهم بذلك يريدون ان يقولوا ان الامور في بلادنا تتم بالانتخاب. سألوا جميل صدقي الزهاوي عن رأيه في إطلاق لقب امير الشعراء على احمد شوقي فقال: من هذا احمد شوقي؟ تلميذي معروف الرصافي ينظم شعراً أحسن منه!

بذلك، كما يقال، ضرب الزهاوي عصفورين بحجر واحد. فعندما سمع الرصافي ما قاله الزهاوي، وبينهما من الغيرة ما يزيد على غيرة عشرين امرأة، ثار وانهال بالشتائم على الزهاوي.

طرحوا نفس السؤال على شاعر عراقي آخر هو أحمد الصافي النجفي عندما كان في دمشق. وكان يكره احمد شوقي بصورة خاصة على افتخاره بلقب شاعر البلاط وشاعر العزيز الخديوي توفيق، فقال فيه ساخرا:

شاعر العزيز وما

بالقليل ذا اللقـــب m

وكان الشاعر النجفي قد زار احمد شوقي في قصره العامر في القاهرة وانبهر برخائه وسؤدده. والظاهر ان الشاعر المصري كان يأمل من الشاعر العراقي ان يقول شيئا في مدحه كما هو شأن بقية الادباء والشعراء المنافقين.

ولكن احمد الصافي النجفي لم يفعل ذلك بل خرج من بيت شوقي وأوجز موقفه منه وتحديه له بهذين البيتين الساخرين فقال:

وأمير رام ان امدحه

قلت احتاج لمن يمدحني

إن لي فوق معاليك علا

كنت لو تفهمها تفهمني!

يروي الدكتور احمد العاتي في كتابه الجليل عن سيرة الصافي النجفي «غربة الروح ووهج الابداع» انه كان ايضا يكره الشعراء الحداثيين. طلب من احدهم ان يشرح له شيئا من شعرهم ففعل ولكن احمد الصافي النجفي لم يفهم منه شيئا قط رغم ذلك. وكان قد لاحظ اثناء الجلسة ان الكثير منهم اطلقوا لحاهم. فسأل عن ذلك فقيل له انها موضة الحداثيين. فضحك وقال:

وصادمين بأشكال اللحى نظرا

وشعرهم يلطم الاسماع يلطمها

تحار أفكارنا في فهم شعرهم

أشعارهم كلحاهم ليس نفهمـها