الحل السوري للبنان: إلغاء المحكمة وإبقاء سلاح «حزب الله»

TT

في لبنان مؤسسة اسمها «ام النور»، دورها معالجة المدمنين على المخدرات. في لبنان اليوم، اغلب السياسيين ادمنوا على ممارسة تدمير لبنان من اجل ان تظل اسماؤهم «لمّاعة»، والمطلوب ادخالهم جميعاً الى مؤسسة «ام النور» لمعالجتهم من هذا الادمان، لأن حاجتهم الى نسبة اعلى من الجرعات ستزيد، تماماً كحاجة المدمن على المخدرات، ولأن صنف «لبنان» نادر من المخدرات، سينتهي، فالأفضل ان تتم معالجتهم، او انهاؤهم هم.

شبع الشعب اللبناني، او بعضه على الاقل، نظريات واتهامات متبادلة، واحتقار لمستوى ذكاء هذا الشعب. فمن قائل انه لا يريد للبنان ان يسبح في الفلك الاميركي ـ السعودي ـ المصري ويضيف ايضاً: الاسرائيلي، الى قائل انه لا يريد لبنان سابحاً في الفلك السوري ـ الايراني. وبفضل سباحة كل القائلين بأفلاك كثيرة، كلها غير لبنانية، تحول لبنان رذاذاً. انتهى ككيان، ولم يصب الرئيس المصري حسني مبارك عندما حذر من احتمال ان يضيع لبنان. ذلك ان لبنان ضاع بالفعل، يشده كل طرف من سياسييه نحوه، والسياسي بدوره مشدود من الخارج، الى درجة صار يصعب معها رتق الفتق الكبير، ومن هذا الفتق يهرب اللبنانيون ـ الشعب القادر يهرب المستقبل، يهرب الاستقرار، يهرب النوم والنور والشمس.

عندما غزا العراق الكويت، حاول الرئيس العراقي الراحل صدام حسين المستحيل ليجد كويتياً واحداً يتعامل معه، ومن المستحيل ان يكون كل الكويتيين راضون عن نظامهم، ومع ذلك لم يجد رجلاً واحداً مستعداً ان يؤدي التحية للمحتل. في لبنان، قلة فقط من اللبنانيين رفضت التعامل مع السوري عندما كان محتلاً، وتعرضت تلك القلة لملاحقة اللبنانيين الذين رفعوا عصا السوري، صارت تلك القلة هي فئة «البدون» في لبنان. انسحب السوري، وابقى صمام الامان بيده ليظل متأكداً من ان لبنان لن تقوم له قائمة من دونه. يأتي عمرو موسى الامين العام للجامعة العربية الى لبنان ويذهب، ويُسأل عن الدور السوري فيقول: «انا اقر بأنه ايجابي». مضحك ان يقر امين عام الجامعة العربية ذلك الموقف بالايجابي، ولنختصر له الامر: ان الحل للمسألة اللبنانية موجود في دمشق. ودمشق تريد أمرين لتسمح باستتباب الحل.

الاول: تريد الغاء المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.

الثاني: تريد ابقاء سلاح «حزب الله» في يده وزيادة تكديسه.

اذا تم لها ذلك، فإنها مستعدة ان تسمح بانتخاب حتى سمير جعجع قائد «القوات اللبنانية» او دوري شمعون رئيس «حزب الوطنيين الاحرار» رئيساً للجمهورية اللبنانية، وتسمح بأن تشكل الموالاة وحدها الحكومة، وإذا لم يتحقق لها ذلك، فحتى لو ضمنت المعارضة الثلث المعطل، فان دمشق سترمي على اللبنانيين الموالين لها، بلغز جديد وتطالبهم بحله، وقد بدأت هذه الايام نغمة اجراء انتخابات نيابية جديدة، او انتخاب رئيس الجمهورية بالتصويت الشعبي.

ان السياسيين اللبنانيين يعرفون ما تريده دمشق، ويحاولون ربما التحايل عليها، لكنها اشطر. العرب يعرفون ما تريده دمشق. قطر تعرف ذلك جيداً، وقد سمعه رئيس وزرائها ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم، وكان يريد نقل ما سمعه الى قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي لن ينتقل من خانة المرشح لرئاسة الجمهورية الى خانة رئيس الجمهورية.

ان السياسيين اللبنانيين يعرفون، ويجب ان يعرف العرب ذلك، وكذلك الامين العام للجامعة العربية، بأن الذين يزورون دمشق يعودون بانطباع مفاده ان الانتخابات الرئاسية اللبنانية لن تحصل قريباً، وان دمشق تضع الخطط لمواجهة ما تتعرض له من ضغوط بالنسبة للمحكمة الدولية لفترة شهرين على الاقل، وهي ابلغت حلفاءها اللبنانيين بأنها لن تسمح للمحكمة الدولية المس بنظامها او النيل منه.

لذلك على العماد ميشال سليمان ان يتخذ موقفاً حاسماً وعلنياً قبل ان يحترق اسمه، ويحرق معه آخر مؤسسة شرعية في لبنان، ان سوريا لم تعد متحمسة لترشيحه، وإذا كانت للعماد سليمان آذان في بعض مجالس السياسيين اللبنانيين، لا بد ان يكونوا قد نقلوا اليه ذلك، ونقلوا اليه بأن المعارضة لم تعد مرتاحة له بعدما رشحته الموالاة. وعلى طريق بيروت ـ دمشق، تتردد اخبار مفادها ان قائد الجيش زار سراً الرياض، والتقى ايضاً سمير جعجع مرتين سراً، والتقى كذلك الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ثلاث مرات سراً. ويلتقي سراً على الدوام رئيس الوزراء فؤاد السنيورة ورئيس «كتلة المستقبل» النائب سعد الحريري. قد لا يكون اي خبر مما يتم تداوله حول النشاط السري لقائد الجيش صحيحاً، لكن سيستمر تكبير كل الشائعات حتى اختراع اخبار، واستعمال ترشيحه وسيلة شد وجذب، فيما الحقيقة امر آخر وهي رغبة سوريا في الغاء المحكمة والإبقاء على سلاح «حزب الله». لذلك، من اجل حماية المؤسسة العسكرية على قائد الجيش ان يطلب سحب اسمه من التداول في البازار السياسي، انها احلام لا تستحق ان تتحطم كرامة رجل في سبيلها. ليتفضل السياسيون ويقررون من جاء اولاً: البيضة ام الدجاجة في الدستور اللبناني، فإذا اتفقوا في ما بعد على اسم قائد الجيش، لا بد ان يعودوا اليه بعدما يصلهم الضوء الاخضر من دمشق. هلل السياسيون اللبنانيون موالاة ومعارضة لـ«المبادرة العربية»، وكأنها تحمل «الترياق» الفوري مع وصول عمرو موسى، رغم ان مدير مكتبه هشام يوسف قال بوضوح: ان موسى سيرفع تقريراً عن نتائج مهمته الى اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي سيعقد في 27 الشهر الجاري. اما موسى فقد بدا كمن يستنجد باللبنانيين ليساهموا معه بوضع تقرير ايجابي فيلمع في مركزه وذلك عندما قال: ان حل الازمة اللبنانية سينعكس ايجاباً على الوضع العربي!

اما قمة السخرية من اللبنانيين فتكمن في الدور المحدد الذي صار يقوم به رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري: تحديد موعد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية ومن ثم الغاؤه وتحديد موعد آخر، ثم تربيحه اللبنانيين المسيحيين «جميلاً عربياً»، ذلك انه توقف كما قال طويلاً عند «مشهد مشاركة 22 وزير خارجية دولة عربية، وهم مسلمون، في حضور وزير الخارجية اللبناني بالوكالة طارق متري المسيحي، وقد قالوا جميعاً بالفم الملآن نريد رئيساً مسيحياً قوياً في لبنان (...) ان اجماع العرب على دعم رئيس الجمهورية جيد وأنا اؤيده وأشجعه وربما تجاوز القرار اتفاق الطائف ورغم ذلك انا معه للخلاص من الازمة اللبنانية» (رضوان عقيل ـ جريدة «النهار» 13 من الجاري).

هل نسي رئيس مجلس النواب اللبناني ان لبنان اقيم في الاساس وطناً للمسيحيين وللموارنة بالذات وتشارك العيش فيه كل المذاهب والطوائف. ان وزراء الخارجية العرب لا بد انهم يعرفون ذلك، ولم يكن من داع للتحريض الطائفي والمذهبي، فمهما حاولت ايران منع انفجار الفتنة الشيعية ـ السنية في لبنان، فان السيطرة السورية على الشارع في لبنان لم تعد مضمونة، ذلك ان الاحتقان الشعبي وصل الى أوجه. ثم اين هو رئيس الجمهورية، ان الموقع خال منذ 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وكان السوريون قد ابلغوا الفرنسيين عن «حسن نياتهم» بأنهم منعوا الرئيس السابق اميل لحود من تشكيل حكومة ثانية بديلة.

وكأن المشكلة في لبنان سببها التركيبة الوزارية، اذ قال نبيه بري لزواره انه كان يسير جديّا بصيغة الـ10-10-10- دعماً لرئيس الجمهورية «الماروني»، وتنقل «النهار» في عددها يوم 13 الشهر الجاري، ان بري اقسم على كلامه امام موسى وخاطبه بالآتي: «بشرفي وشرفك يا استاذ عمرو كنت سأفتح مجلس النواب في هذه الحالة وكان سيقترع معي اكثر من 95 نائباً».

اذا دخل «الشرف» في المسألة اللبنانية بطل العجب، لكن الرئيس بري اقسم بشرفه انه يستطيع ان يفتح مجلس النواب عندما يقرر...

ولأن القرار ليس في لبنان، المطلوب من عمرو موسى ان يوفر جهده وتعبه ويسافر مباشرة الى دمشق ليبلغها انها لا تستطيع ان تحصل على كل شيء. فلبنان بشعبه يحاول ان يتحرر منها، وعليها ان تعتاد على هذا الواقع، وان عليها ان تراجع ما اقترحه عليها العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني عندما التقى الرئيس السوري بشار الاسد، بأن تفك علاقاتها مع ايران. رغم ان الاخيرة دفعت عنها ديونها لروسيا. وتستعيد هضبة الجولان، وتتلقى مساعدات دولية، في الوقت الذي يتم فيه ابطاء العمل بالمحكمة الدولية، وبالمقابل عليها توقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل (اللقاءات الاسرائيلية السورية تسير بشكل جيد جداً)، وتوقف تدخلها في لبنان، وتنهي علاقاتها مع ايران وتوقف دعمها لـ«حماس» و«حزب الله». ويجب على عمرو موسى ان يعرف ان سوريا تراهن على «الصراع» القائم بين واشنطن وتل ابيب، فالأولى تميل الى حوار مع طهران وعزل دمشق، والثانية تفضل التفاوض مع دمشق والاستمرار في العداء والضغط على طهران. ويبقى ان نعرف ماذا يريد العرب ابعد من المبادرة العربية.

وكما ان للكعبة رباً يحميها، فإننا نصلي من اجل ان تكون للبنان ـ الرسالة رب يحميه من سياسييه ومن كل الاطراف الخارجية التي تتنازع انانية هؤلاء السياسيين.