هل ستصبح قمة دمشق في «خبر كان» ؟!

TT

المؤكد أن متفجرة منطقة «الدورة» أمس الأول الثلاثاء، التي استهدفت سيارة تابعة للسفارة الأميركية في بيروت لم تكن تستهدف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى كشخص وكإنسان، الذي كان، عندما تفجرت هذه المتفجرة وقتلت أربعة من اللبنانيين الأبرياء، يستعد للعودة إلى بيروت لاستئناف وساطة بات بمثابة اليقين أنه محكوم عليها بالفشل والسبب أنها جاءت بالأساس كـ«طبخة بحص» وأن بعض الذين شاركوا في طبخها لم تكن نفوسهم صافية ولم تكن نواياهم سليمة.

إن متفجرة «الدورة» لو جرى التدقيق فيها تدقيقاً جيداً وفي إطار دائرة ضوء أوسع لثبت أن هدفها إفشال مبادرة الجامعة العربية، أو مبادرة العرب كما يحلو للبعض تسميتها، من خلال وضع الأزمة اللبنانية والصراع المحتدم هناك بين الأطراف المتصارعة في إطار المواجهة التي ازدادت التهابا خلال زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش الأخيرة إلى المنطقة بين واشنطن من جهة وطهران ومعها سوريا وحزب الله و«حماس» الفلسطينية من جهة أخرى. منذ البداية، أي منذ أن انفجرت هذه الأزمة حتى قبل استشهاد رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، كان هناك إصرار عجيب من قبل ما يسمى تحالف المعارضة المتحالف مع إيران وسوريا على أن هذا الصراع الذي اتخذ طابعاً دموياً والذي اعتبرت حرب يوليو عام 2006 تجسيداً عسكرياً له هو صراع بين المشروع الأميركي في المنطقة «الشرق الأوسط الجديد» وبين قوى الممانعة والمقاومة التي يمثلها تحالف إيران مع سوريا وحزب الله و«حماس» وتنظيمات فلسطينية هامشية أخرى.

ولذلك فقد اتُهمت الحكومة اللبنانية الحالية، أي حكومة السنيورة، مع أنها مختارة اختيارا شرعياً ودستورياً ووفقاً للأعراف والتقاليد المتبعة هناك، بأنها مجرد أداة تنفيذية بيد السفير الأميركي في بيروت وأنها تنفذ السياسات والتوجهات الأميركية والإسرائيلية وهذا قيل من داخل لبنان وخارجه. لم تنجح كل محاولات إظهار أن الصراع المحتدم في لبنان منذ اغتيال الحريري وقبل ذلك على أنه صراع بين «الخير» و«الشر» وأن المعارضة تمثل الخير وتمثل تحالف فسطاط الممانعة والمعارضة الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله و«حماس» الفلسطينية، بينما تمثل «الموالاة» الشر وتمثل واشنطن وإسرائيل وبعض الدول العربية التي توصف بأنها معتدلة وأنها متحالفة مع أميركا وتشكل قناة الدعم السياسي والمالي لحكومة السنيورة التي اعتبرت «منتج إسرائيلي»!! واعتبرت حكومة عميلة لابد من إزالتها بمجرد توقف حرب يوليو عام 2006 .

لقد بقيت حكومة فؤاد السنيورة صامدة رغم كل ما تعرضت له من ضغط سياسي بقي متواصلاً ولم يتوقف ولو للحظة واحدة وكل هذا رغم مسلسل الاغتيالات الذي استهدفها واستهدف رموز وقادة تيار «الرابع عشر من آذار». إن متفجرة «الدورة»، إذا تم وضعها في الإطار العام الصحيح، تأتي في سياق الردّ الساخن الذي قام به الإيرانيون وحلفاؤهم والذي تمثل أولاً في تصدي الزوارق الحربية الإيرانية «الاستعراضي»، في اليوم ذاته الذي وصل فيه بوش إلى المنطقة، للبوارج الحربية الأميركية المرابطة في مضيق «هرمز» وثانياً في تنشيط حراس الثورة لعملياتهم العسكرية في العراق ضد الجيش الأميركي وقتل ستة من جنوده في عملية واحدة في منطقة «ديالى» التي لم يحسم الوضع فيها حتى الآن. لا يمكن إلاَّ أن تؤخذ متفجرة «الدورة»، التي هي أول عملية منذ انفجار الصراع في لبنان تستهدف هدفاً أميركياً على الساحة اللبنانية، في هذا السياق وفي إطار الردود العنيفة التي ردت بها إيران ومعها الإعلام السوري كله وحزب الله وحركة «حماس» على زيارة بوش الأخيرة إلى المنطقة، وبالطبع فإن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي خلال هذه الزيارة اعتبرت من قبل قوى «المعارضة» اللبنانية، والذين يقفون خلفها، فرصة أولاً لاستكمال عملية الفرز لإظهار الصراع في لبنان على أنه صراع بين الخير والشر وبين الوطنيين والعملاء، وثانياً لتشديد الضغط على حكومة السنيورة وبالتالي لإفشال المبادرة العربية التي يقودها عمرو موسى والتي وقعها بعض الذين وقعوها وهم مصممون على إفشالها كما أُفشلت محاولات سابقة.

لن ينجح عمرو موسى في مهمته هذه ولعله تجاهل عمداً وقصداً، ومن قبيل تفاءلوا بالخير تجدوه، ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد بشأن ما صدر عن الجامعة العربية حتى قبل أن يصدر وحتى قبل أن ينتهي اجتماع منزل الأمين العام بإطلاق الدخان الأبيض حيث قال: إن ما صدر عن هذه الجامعة ليس قراراً بل هو مجرد «بيان» لأنه إن هو اعتبر قراراً أو مبادرة أو خطة، فإنه سيكون تدخلاً سافراً غير مقبول في شؤون دولة عربية مستقلة وذات سيادة، واللافت أن أمين الجامعة العربية لم يلتفت أيضاً لتأكيد وزير الخارجية السوري على هذا الموقف أكثر من مرة . لم يلتفت الأمين العام أيضاً، لتصريح خطير أدلى به وليد المعلم قال فيه: «إن القمة التي من المفترض أن تنعقد في دمشق في نهايات مارس (آذار) المقبل هي قمة عربية وليست قمة سورية ولذلك فإن سوريا غير مستعدة للتضحية بمصالحها (وربما هنا المقصود مصالحها في لبنان) من أجل إنجاح هذه القمة» ... والهدف على هذا الصعيد هو الرد على بعض المعلومات التي ترددت، ولم يجرِ تأكيدها من قبل المملكة العربية السعودية لا بصورة رسمية ولا بصورة غير رسمية، والتي تحدثت عن أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لن يشارك في القمة المقبلة ما لم يحضرها رئيس لبناني منتخب. وهنا فإنه لابد من الأخذ في عين الاعتبار ما قاله الرئيس المصري حسني مبارك لصحيفة «تاغز إنتسايغر» السويسرية يوم الاثنين الماضي بخصوص الأزمة اللبنانية المتفجرة، والتي زادتها متفجرة «الدورة»، التي استهدفت سيارة أميركية، تفجراً حيث قال: آمل أن تجد هذه الأزمة طريقها إلى الحل من دون إبطاء حتى لا تُلقي بانعكاسات ضارة على القمة العربية المقرر عقدها في دمشق. فهل ستنجح المبادرة العربية وهل ستفلح محاولات عمرو موسى لحل الأزمة اللبنانية .. وبالتالي هل ستنعقد القمة العربية المقرر عقدها في دمشق في نهايات الشهر المقبل ..؟! .

المفترض أن يعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا جديداً في مبنى مقر الجامعة العربية في القاهرة في السابع والعشرين من هذا الشهر والمؤكد أنه إذا عقد هذا الاجتماع بينما وساطة عمرو موسى تراوح مكانها وبينما الرمال اللبنانية تواصل ابتلاعها لأي جهود خيرة، فإن الأمور ستسير من سيئ إلى أسوأ وأن أبواباً جديدة ستنفتح على أسوأ الاحتمالات وأن القمة العربية المقبلة ستصبح إمّا في «خبر كان» وإما بحضور عربي لا يليق لا بعاصمة الأمويين ولا بمكانة سوريا التاريخية .. ثم وقد يتحول ما يجري في لبنان من هجمات سياسية متبادلة ومن تفجيرات واغتيالات مستوردة من خارج الحدود إلى حرب أهلية .. وهذا هو الذي يعتبر أسوأ الاحتمالات !! .