التعليم .. العلة والحل

TT

سأزور موضوع التعليم أكثر من مرة، معتذرا سلفا عما قد يسببه تكرار الحديث عنه من ملل، لكنها ضرورة. فالتعليم بجوانبه المختلفة يستحق نقاشا وطرقا مستمرا لأنه أهم من الأزمة اللبنانية والفلسطينية والعراقية والنووية الإيرانية مجتمعة. الحقيقة ان التخلف سبب رئيسي في وجود هذه الازمات، او العجز عن حلها.

التحدي الكبير الذي يواجه مجتمعنا العربي أن أزماته ستزداد ولن تقل، سيتزايد عدد سكانه، وتتناقص قدراته، وتكثر اضطراباته. ولا يصعب على أي إداري قدير أن يفهم أن ضعف التعليم وراء الهزيمة العامة. فإرجاع طلاب الوظائف الى بيوتهم سببه نقص قدراتهم، وتفشي الجريمة نتيجته البطالة والعجز عن المشاركة، وضعف الدولة بين الأمم سببه الأول سوء التعليم، والهزائم المستمرة سببها العجز العلمي، والفقر المدقع مرده الى اتساع الأمية وضعف المتعلمين. ويمكن ان نضع في المقابل قائمة طويلة من اسباب النجاح التي تدور تقريبا كلها في دائرة نجاح التعليم. كل الدول المتقدمة في العالم سبب تطورها جودة التعليم، لا شيء آخر. والعكس صحيح أيضا.

السؤال، إذا كان أي إداري حكومي يفهم العلة فلماذا لا يضع لها حلا مباشرا؟

الحقيقة ان الحلول التعليمية ليست سهلة، ولا سريعة، ولا رخيصة أيضا. مع هذا لا مناص لكل من يريد إنقاذ مجتمعه من التدهور المحتوم ان ينصرف الى التعليم. فما نراه من ابنية شاهقة، وجسور معلقة، وطرق سريعة، ومصانع عملاقة، ومطارات كخلايا النحل، ومراكز تسوق مزدهرة، مآلها التآكل والصدأ. وكل ما نراه سيكلف أكثر في المستقبل من أجل صيانته، وستتكلف الدولة اكثر من أجل تمويل حاجات مواطنيها، فمن سيدفع كل هذا؟ مهما كان أي بلد غنيا اليوم سيعاني غدا من نقص المداخيل العامة او تزايد نفقات الدولة وستنتهي المعادلة بالصيغة المألوفة، مشاكل متراكمة لا حل لها، وأمة غارقة في أزمات.

ولا نبخس اكثر الدول العربية حقها في القول انها تريد اللحاق بركب التطور، بزيادة عدد المدارس وعدد المتعلمين، وبناء الجامعات والمدارس مختلفة الاختصاصات، وترفع الانفاق على التعليم. روح ايجابية لكنها تبقى بلا بوصلة. فزيادة عدد الخريجين زادت في الحقيقة عدد العاطلين عن العمل، لأن التعليم الضعيف تبديد للموارد والفرص والأمل. نحن نسمع عن التطوير منذ سنين طويلة لكن ما نراه يؤكد أن لا نجاح بعد، وبالتالي هناك مشكلة في فهم معنى التطوير بدليل النتائج الصريحة على الأرض، المزيد من العاطلين. وكما قالت مريم اميري، خبيرة التعليم، في محاضرة لها حديثا إن هناك تجارب عديدة ودراسات تثبت ان رفع مستوى المعلمين اهم من الإنفاق على المبنى الدراسي مثلا. فأين يمكن لنا ان نذهب من هنا؟ هل نبحث في التجربة الفنلندية ام السنغافورية ام الاميركية ام اليابانية والصينية، حيث تتعدد المدارس الناجحة؟الخطوة الأولى هي الاعتراف بالمشكلة. فمعظم الدول العربية مريضة تعليميا، تنفق الكثير من مواردها البسيطة وتستهلك قدراتها على التعليم ومع هذا يخرج طلابها من المدارس والمعاهد الى الشارع او بطالة مقنعة وتبقى الأمة عاجزة. المشكلة الأخرى تكمن في مهندسي المشروع التعليمي للدولة، وفي فهم الدولة نفسها لأهمية تحسين النوعية التعليمية. فإصلاح التعليم يبدأ من فوق، من خلال فهم الوضع المتخلف للتعليم والبحث عن حلول له مجربة دوليا.

[email protected]